الأرض يعانيه الخلق دون تكلف إلى إمعان النظر فيه ولهذا وصفها بقوله «بَيْضاءَ لَذَّةٍ» عظيمة في شربها «لِلشَّارِبِينَ» ٤٦ منها تكمل فيها لذة الحواس الخمس، وقاتل الله أبا نواس إذ يقول:
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر ... ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
لأنه قصد اشتراك كافة حواسه بالمعصية، ولأن الشارب جهرا يخشى الخجل من الناس فلا يتم به السرور، لأنه لا يكمل إلا بالحرية المطلقة، ولأن الشارب حينما يتناول الكأس يلمسه ويشمه وينظره ويذوقه، فلم تبق إلا حاسة السمع، فإذا قال له خمر عند تقديمه له كملت لذة حواسه كلها اللهم أحرم أولياءك منها في الدنيا ومتعهم بها في الآخرة وألحقنا بهم يا ربنا. وهذه الخمرة «لا فِيها غَوْلٌ» كخمر الدنيا وهو ما يعبر عنه الأطباء بالكحول (اسبيرتو) لأنها إذا خلت منه لا تسكر كما يقولون، ويزعمون أنهم عربوها عن الأوربيين الذين يعبرون عنها بكلمة (الكول) ولا يعلمون أنها عربية في الأصل بحتة، وأن الأجانب أخذوها منّا وأبدلوا الغين بالكاف إذ لا توجد في لغتهم، مطلب ما قاله داود باشا والفرق بين خمر الدنيا والآخرة ونساء أهل الجنة وكلامهم:
ورحم الله داود باشا والي العراق في القرن الثاني عشر هجري حينما سمع أولادا يغنون في الطريق ويقولون:
يا بو زبين حمر وامدكك بإبره ... كل الشرائع زلق، من يمّنا العبرة
صاح بأعلى صوته الله الله صدقتم يا أولادي بورك فيكم حقا، والله كل الشرائع زلق، لأنها نسخت، وأن من يأخذ بها بعد نسخها لا بد أن تزلق رجله فتؤديه إلى النار لذلك لا عبور إلى الجنة إلا باتباع شريعتنا أيها الأخوان فمن عندنا العبرة لأن شريعتنا توصل إلى الجنة وصار يصفّق طربا لذلك، مع أن الأولاد لا يعرفون هذا المعنى، وانما يعرفونه لما يتصورونه، وهكذا فإن من يسمع الصوت الحسن أو ضرب الدف أو الناي أو غيرها يؤولها على ما في قلبه ويصرفها لمحبوبه وهو رحمه الله من الأولياء فصرف ما سمعه إلى ما هو في قلبه، وله أخبار أخرى سنذكرها