فى الآية ٣٤ من سورة المائدة في ج ٣ إن شاء الله هذا ولا يخفى أن كل الخصال الحسنة أخذها عنا الأجانب ويا حسرتا نحن على العكس قلدناهم في المثالب وهم أخذوا عنا المناقب لأنهم يوم كنا ما كانوا شيا وإلا لما دارت رحانا عليهم واستولينا على بلادهم ولما رجعنا الآن القهقرى دارت لهم الكرة علينا وما ذلك إلا لتركنا أمر ديننا وما سنه لنا منقذنا الأعظم وسلفنا الصالح ولا علاج لاسترداد عزنا إلا بالرجوع إلى ديننا الذي فيه شرفنا وفيه قوتنا وبتركه ذلنا وخذلاننا ولا يصلح آخرنا إلا بما صلح به أولنا اللهم أرشدنا إلى طريق الصواب وألهمنا السداد واهدنا إلى الخير واجمع كلمتنا على الحق ووحد صفوفنا بجاهك على نفسك وحرمة أنبيائك وكتبك، وأعد لنا مجدنا ومهابتنا، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
واعلم أن الله تعالى وصف هذه الخمرة بعروها من الغول الذي هو غول العقل إذ يذهب به ولذلك نهى الله عن خمر الدنيا لأنها مملوءة منه فقد تذهب اللب وتوجع البطن وتحرق الحلق وتذيب الأمعاء وتخرش الرئة وتفتت الكبد وتحدث صداعا في الرأس ويعقبها القيء والعربدة والإفساد والسب والشتم وتورث السخرية والاستهزاء والتعيير وأشياء كثيرة لأنها أم الخبائث، وخمرة الآخرة براء من هذا كله ولم يحصل منها إلا السرور والإنشراح ولهذا وصفها الله بقوله عز قوله (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ ٤٧» أي لا تغلبهم على عقولهم فيسكرون منها ويفقدون الوعي، لأن نزف بمعنى فقد وذهب ونزع ونزح، أي أن خمر الدنيا تأخذ بعقول شاربيها، أما هذه فلا، قال الأبيرد اليربوعي:
لعمري لئن أنزفتهم أو حموتم ... لبئس الندامى كنتم آل ابجرا
وعلى هذا فلا اشتراك بين خمر الدنيا والآخرة إلا بالاسم لأن حقيقة هذه غير حقيقة تلك ويكفي خمر الدنيا سوءا نتن ريحها ودوسها بالأقدام وعصرها بالأيدي الدنسة، وقيل فيها:
بنت كرم تيموها أهلها ... ثم هانوها بدوس بالقدم
ثم عادوا احكموها فيهموا ... ويلهم من جور مظلوم حكم
بيد ان خمر الآخرة من معين صاف لم تدنسها الأيدي وتعفسها الأرجل