من الدقيق والزيت، فأكل ودعا لها بالبركة فلم تحس إلا وقد ملئت جربانها دقيقا وخوابيها زيتا، فاطلع الناس عليها وعلى ما عندها من الخير، فقالوا لها من أين لك هذا، قالت ضافني رجل فقدمت إليه ما عندي من دقيق وزيت فأكل ودعا لي بالبركة، ومنذ فارقني رأيت أجربتي ملئت دقيقا وخوابيّ زيتا ووصفته لهم فعرفوه، وطفقوا يطلبونه يمينا وشمالا شرقا وغربا فلم يجدوه، ثم انه أوى إلى بيت عجوز أخرى لها ابن يقال له اليسع بن أخطوب وكان مريضا فدعا له فعوفي بالحال وآمن به، ثم إنه لما رأى ما حل بقومه من الضيق والضنك رقّ لهم ورأف بهم فأظهر نفسه إليهم مفاديا بها طلبا لإيمانهم به ورجوعهم إلى عبادة الله وتركهم الأوثان بعد أن آنس منهم الركون إليه والالتجاء إلى ربه، وقال لهم قد هلكتم وهلك كل شيء بخطيئتكم فأخرجوا أصنامكم واستسقوا بها، فإن مطرتم فذلك كما تقولون وإلا فيتحقق لديكم أنكم على باطل فتنزعون عن عبادتها، ثم إني أدعو الله ربي فإذا أفرج عنكم آمنتم به وتركتم الأوثان، قالوا لقد أنصفت فخرجوا وأخرجوا أصنامهم، ودعوا فلم يستجب لهم، ولم يزالوا حتى أظهروا عجزهم وعجز آلهتهم، وكلفوه بأن يدعو هو إلهه، فشرع عليه السلام يدعو واليسع يؤمن على دعائه وقد انتهت المدة التي منع الله بها السماء أن تجرد عليهم حسب طلبه السابق، فأغاثهم الله تعالى غيثا جلل أراضيهم كلها، فحييت واخضرت ودبت الحياة بمواشيهم وترعرعوا وتنفسوا من ألم القحط وتروحوا من الجدب لكثرة ما أفاض الله عليهم من الخير الذي أدرّ الضرع وأكثر الزرع، فنكثوا بعهودهم ونقضوا وعدهم وأصروا على كفرهم، لأن النعم التي غمرتهم أنستهم ما كانوا عليه من الشدة وصاروا يسخرون بنبيهم كلما يدعوهم إلى الإيمان ويطالبهم بالوفاء بالعهد، وقد أيس من إيمانهم فدعا الله أن يريحه منهم، فأجاب الله دعاءه وقال له أخرج إلى موضع كذا لمكان عيّنه له وما جاءك فاركبه ولا تخف، فخرج هو واليسع وإذا بفرس من نار دنت منه فوثب
عليها فانطلقت به في الهواء فناداه اليسع بماذا تأمرني فألقى إليه رداءه فاستدل به على استخلافه فلبسه ورجع يدعو الناس إلى طاعة ربه واقتفى آثار دعوة الياس عليهما السلام، قالوا وان الله تعالى قطع عن الياس الحاجة إلى الطعام والشراب