وأنا فيه فنزعها وغرسها في حائطه، وقال اللهم عم على الجن موتي حتى تعلم الإنس أنهم لا يعلمون الغيب، لأنهم يزعمون أنهم يعلمون شيئا منه ويفخرون به على الإنس، وقام يصلي في محرابه على عادته، فمات عليه السلام وهو متكىء على عصاه، فبقي قائما عليها وهو ميت بإرادة الله تعالى وتثبيته وهو الفعال لما يشاء القادر على كل شيء. وكان لمحرابه كوى تنظر الجن إليه منه فيرونه قائما فيدأبون على أعمالهم الشاقة التي أمرهم بها ووكل عليهم ملائكة يراقبونهم غير الذين وكلهم من قومه ويحسبونه حيا ولا ينكرون عدم خروجه لأنهم يعلمون أنه ينقطع للعبادة المدد المبينة أعلاه ولذلك بقوا بعد موته زمنا يعملون ما يأمرهم به الموكلون عليهم من الإنس ولا يقدرون أن يخالفوهم خوفا من الملك الموكل عليهم المار ذكره في الآية ١١ وبقي وبقوا هكذا حتى أكلت عصاه الأرضة فسقط على الأرض فعلموا بموته لأن سقوطه لم يكن على هيئة العبادة التي كان يتعبد بها، وهذا معنى قوله تعالى «ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ» عصاه تقرأ بالهمز وعليه قوله:
ضربت بمنسأة وجهه ... فصار بذاك مهينا ذليلا
وبدون همز وعليه قوله:
إذا دببت على المنساة من هرم ... فقد تباعد عنك اللهو والغزل
قال تعالى «فَلَمَّا خَرَّ» سقط على الأرض «تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ» ظهر لهم الأمر بأنهم لا يعلمون شيئا مما كانوا يزعمونه من أمر الغيب وتبين لقوم سليمان جهلهم به أيضا ولهذا رد الله عليهم بقوله «أَنْ لَوْ كانُوا» أي الجن «يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ» لعلموا بموته وتركوا العمل الشاق ولما استقروا على الذل والمشقة و «ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ ١٥» لنفوسهم من الموكلين عليهم من الإنس والملائكة، وظهر لدى العام والخاص كذبهم في ادعائهم علم الغيب، والمراد بالجن هنا الكفرة منهم لأن المؤمن لا يكون مهانا في ملك نبيه راجع الآية ١٤ من سورة النمل والآية ٢٤ من سورة ص في ج ١ فيما يتعلق بعظمة ملك داود وسليمان عليهما السلام، قال تعالى «لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ» بن يشجب بن يعرب بن قحطان «فِي مَسْكَنِهِمْ» مأرب من أرض اليمن «آيَةٌ» دالة على وحدانية الله تعالى كافية لمن اعتبر وهي