«جَنَّتانِ» على شفير الوادي، يشعر بهذا قوله عز قوله «عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ» من الوادي وكان لكل منهم في جهة اليمين بستان وفي جهة اليسار بستان ولهذا يمنّ الله عليهم بقوله «كُلُوا» يا آل سبأ «مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ» هذه النعمة العظيمة واعملوا بطاعته فإن مأرب «بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ» كثيرة النبات لطيب أرضها ليست برطبة ولا يابسة ولا سبخة ولا محجرة ولا يوجد فيها بعوض ولا ذباب ولا برغوث ولا شىء من الهوام الضارة حتى أن الرجل إذا دخلها وكان في ثيابه قمل أو برغوث يموت من طيب هوائها والخاصيّة التي أودعها الله فيها «وَرَبٌّ غَفُورٌ ١٦» ربكم يا آل سبأ يعفو عما يقع منكم إن شكرتم وآمنتم «فَأَعْرَضُوا» عن دعوة أنبيائهم ولم يقبلوا نصحهم ولم يراعوا حق هذه النعم المسبلة عليهم بل كذبوهم، قال وهب كانوا ثلاثة عشر وذكره ابن عباس ولم أقف على أسمائهم، وقد ذكّروهم نعم الله وحذّروهم عقابه وأنذروهم عذابه فلم ينجع بهم وقالوا ما نعرف لله علينا نعمة فقولوا لربكم يحبس عنا المطر وسائر نعمه قال تعالى فحق عليهم القول «فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ» قال ابن عباس كان لهم سد بنته السيدة بلقيس على وادي المياه وجعلت له أبوابا وبنت دونه بركة فجعلت لها اثنى عشر مخرجا يفتحونها عند الحاجة لسقي جنبيتهم وكانت وجهت إليها مياه السيول فإذا جاء المطر احتبس من وراء السد فيمتلأ ذلك الوادي العظيم بما يزيد على حاجتهم سنريا، وكانت قسّمته بينهم بنسبة حاجة كل منهم وبقوا ينتفعون به في حياتها وبعد موتها مدة كثيرة على حسب وضعها، فلما طغوا وجابهوا أنبياءهم بما ذكر آنفا وقالوا لهم إن كان ما تقولونه حقا فافعلوا وإنا لسنا بحاجة إلى إرشادكم ولا نخاف من تهديدكم ووعيدكم، وكان قولهم هذا موافقا لأجل الانتقام منهم في قدر الله الذي قدره عليهم وكفروا هذه النعم بغيا وعتوا سلط الله تعالى الخلد على السد فثقبه فطغى الماء على جنتيهم فأغرقهما وأخرب أراضيهم وأغرقها وفاض الماء على دورهم فأخربها فمزّقوا كل ممزّق وندّ منهم من ند وصار يضرب بهم المثل عند العرب يقولون ذهبوا أيدي سبا وتفرقوا أيادي سبا «وَبَدَّلْناهُمْ» بسبب كفرهم بجنتيهم ذاتي الفواكه الطيبة والخيرات الكثيرة «جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ