الذي سلف منك خطأ أو نسيانا أو سهوا، أو ما تظنه مستوجب السؤال عندنا نظرا لعلو مقامك ورفعة شأنك وخفّفنا أعباء النبوة عليك لتقوم بها دون تكلف فرفعنا عنك ذلك التكليف «الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ٣» حمله وأوهى قولك رزؤه وحططنا عنك كل ما تراه ثقيلا مما شرعناه على من قبلك. واعلم أنه إذا حمل هذا الوزر على حالته قبل النبوة فيكون المراد اهتمامه بأمور كان يفعلها قبل النبوة، إذ لم يرد عليه شرح بتحريمها فلما حرمت عليه بنزول الوحي عدّها أوزارا أثقلت عليه وأشفق منها، فوضعها الله عنه وغفرها له، وإذا حمل ذلك على حالته بعد النبوة، فيكون عبارة عن ترك الأفضل وما هو خلاف الأولى وما تركه أحسن من فعله على حد حسنات الأبرار سيئات المقربين. قال تعالى «وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ٤» على سائر الأنبياء والمرسلين قبلك، وقرناه بذكرنا. روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عن هذه الآية قال: قال الله عز وجل إذا ذكرت ذكرت معي، قال ابن عباس يريد الأذان والاقامة والخطب على المنابر. فلو أن عبدا عبد الله وصدقه في كل شيء ولم يشهد أن محمدا رسول الله لم ينتفع بذلك بشيء، وكان كافرا، قال حسان رضي الله عنه:
أغر عليه للنبوة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد
وضمّ الإله اسم النبي لإسمه ... إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجلّه ... فذو العرش محمود وهذا محمد
وقرن طاعته بطاعته فقال:(أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية ٥٩ من النساء ج ٥ وكررها معنى ولفظا في الآية ١٧ من الأحزاب و ١٤ من التوبة و ٣١ و ٣٢ من آل عمران وكررها في الآية ٨٠ من النساء في ج ٣ وقرن خوفه بخوفه، ورضاه برضاه، ومحبته بمحبته، وغضبه بغضبه، وهكذا قد ذكره الله في كتب الأنبياء، ولا يخفى أن حضرة الرسول إبّان بعثته كان مقلا مخفا من الأموال والمواشي وكانت قريش تعيره بالفقر حتى أنهم صاروا يقولون له عند ما يدعوهم إلى الله: إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا، فاغتم لذلك وظن إنما كذبه ت (١١)