للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قومه لفراغ ذات يده، وكان يحزن ويغتم لهذه الغاية لأنه منشرح الصدر بما هو فيه من فضل ربه ويراه غنيا إذ لا هم له في الدنيا ولا في أهلها إلا بغية إيمانهم قال ابن الفارض:

وتعذيبكم عذب لديّ وجوركم ... عليّ بما يقضي الهوى لكم عدل

فعدد الله عليه نعمه في هذه السورة تسلية لجنابه الشريف عما خامره من الغم ووعده الغنى فقال «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ٥» أي لا يحزنك قولهم فإن مع الشدة فرجا وإن لك مما تقاسيه مخرجا، ثم كرر الوعد تأكيدا وتمكينا فقال «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ» الذي أنت فيه «يُسْراً ٦» قريبا بإظهاري إياك عليهم وإعلاء كلمتك وتقدير النصر لك حتى تغلبهم وتغنم ما عندهم، قال الحسن لما نزلت هذه الآية قال صلّى الله عليه وسلم: أبشروا فقد جاءكم اليسر لن يغلب عسر يسرين. وذلك لأنه جل ذكره كرر العسر بلفظ المعرفة، والمعرفة إذا كررت كانت غير الأولى، وكرر اليسر بلفظ النكرة والنكرة إذا كررت كانت غير الأولى، فصار يسران تجاه عسر واحد ولن يغلب الواحد الاثنين غالبا. وإنما قال أبشروا إذ كان نزولها على أثر تعيير المشركين المسلمين بالفقر فلا شك أنه صلّى الله عليه وسلم انشرح صدره بما رأى من عطف ربه عليه فأقبل على عبادته فقال له ربه «فَإِذا فَرَغْتَ» من دعوة الخلق «فَانْصَبْ ٧» لعبادة ربك، وداوم عليها واجتهد فيها «وَإِلى رَبِّكَ الذي أنعم عليك بما ذكر وما لم يذكر» «فَارْغَبْ ٨» في إجابة دعائك ورفع مقامك عنده وإظهار كلمتك لديه ينصرك على أعدائك، واجعل رغبتك في الله وإلى الله ومن الله وتضرّع اليه رغبة في جنته ورضاه ورهبة من ناره وعقابه، ولا تخل وقتا من أوقاتك دون عمل يرضيه فكلما فرغت من عبادة أتعبت نفسك فيها فاتبعها بغيرها وابتهل اليه فهو لا يردك. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا لا في عمل دنياه ولا في عمل آخرته، السبهلل الذي لا شيء معه والعاطل الذي لا عمل له ومعناه الفارغ. ولا غرو أن يكون قعود الرجل من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه من أمور دنياه ودينه من سفه الرأي وسخافة العقل

<<  <  ج: ص:  >  >>