ومنها يفهم أن مطلق الإيمان كاف لإلحاقهم بهم وإدخالهم الجنة، لأن الإنسان متى ما وسم بالإيمان صار صالحا لدخول الجنة ولو لم يعمل شيئا، وذلك من فضل الله بعباده «وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ» وأجرهم من عقابها بكرمك وجودك وإحسانك «وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ» الموجبة للعذاب وتمنعه من قربانها بفضلك وتوفيقك وهدايتك «يَوْمَئِذٍ» يوم إذ كان في الدنيا «فَقَدْ رَحِمْتَهُ» رحمتين رحمة في الدنيا من أن يوصم بها، ورحمة في الآخرة بالنجاة من عقابها ووبالها. واعلم أن لفظ السيئة عام في كل شيء يعمله الإنسان بنفسه أو بغيره مالا وبدنا مادة ومعنى من كل ما يطلق عليه لفظ قبيح وجميع الحركات الرذيلة والإشارات البذيئة «وَذلِكَ» اتقاء السيئات في الدنيا والرحمة بالآخرة هو «الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ٩» في جوار الله تعالى في جنته فلا فوز أعظم منه ولا تصل العقول إلى كنه عظمته.
انتهى كلام الملائكة عليهم السلام وهو كلام جميل بديع جامع مانع محصور في جهتين التمجيد للرب وطلب المغفرة لأهل الإيمان. قال مطرف: أنصح عباد الله تعالى للمؤمنين الملائكة، وأنمش الخلق لهم الشياطين. وقد وردت أخبار كثيرة في وصف الملائكة والعرش ضربنا عنها صفحا لعدم الوثوق بصحتها، ولأنهما في الحقيقة فوق ما يقولون ولا يعرف حقيقتهما وصفتهما على ما هما عليه إلا الله تعالى، وما نقل من الأخبار لا قيمة له، لأنهما مما لم يشاهد وما لم يشاهد لا يوصف. هذا، وقد أخرج جابر عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى عزّ وجل من حملة العرش إن ما بين شحمتي أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمئة عام. وروى جعفر عن محمد عن أبيه عن جدّه قال: ما بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية كخفقان الطير المسرع ثلاثين الف عام. فما بالك ببقية الأوصاف التي ذكرها الأخباريون؟ لأن العقل لا يسعها، فعلى العاقل أن يكتفي بما وصف الله في كتابه من كونهم غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأن العرش من عظم خلق الله، وأن الملائكة أقوياء أشداء متناهون في العظمة، وقدمنا ما عثرنا عليه من الأقوال الصحيحة في الآية ٢٠ من سورة التكوير والآية ٥٤ من سورة الأعراف والآية ٤ من سورة طه والآية الأولى من سورة الإسراء في