أنت وعقبك من بعدك، والنبي صلّى الله عليه وسلم ساكت، فلما فرغ قال اسمع يا عتبة:
بسم الله الرحمن الرحيم حم حتى بلغ هذه الآية، فقام عتبة وأمسك على فيه، وناشده الرحم، ورجع إلى أهله، واحتبس عن قومه لما أدركه من مغزى ما تلاه عليه وقر لديه معناه، وما دخل في روعه من الخشية، فقال أبو جهل صبأ والله عتبة يا معشر قريش، وأعجبه طعام محمد لفاقته، هلم فانطلقوا إليه نؤنبه على ذلك، فلما وصلوا إليه قال له أبو جهل ما قال وزاد على التأنيب بأن قال له سنجمع لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب عتبة وأقسم لا يكلم محمدا أبدا، وقال يا معشر قريش إني من أكثركم مالا، ولكن أتيته فكلمته، وذكر لهم ما قال له، فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة، وقرأ عليهم ما سمعه منه، ولما قرأ (فَإِنْ أَعْرَضُوا) نهضت فأمسكت بقية وناشدته الرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب، وهذا الذي ألزمني بيتي ما هو كما يقول أبو جهل، وأنتم تعلمون أني لست بذلك الرجل. وهذا الخبر رواه البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله ونقله محمد بن كعب القرظي بزيادة، وقال إن عتبة كان سيدا حليما، وكانت هذه القصة بعد إسلام حمزة رضي الله عنه وتكاثر المسلمين، وقال أطيعوني يا معشر قريش واعتزلوه، فو الله ليكوننّ له نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه، وإن يظهر فعزّه عزكم، وأنتم أسعد الناس به.
قالوا سحرك والله، لقد جئت بغير الوجه الذي ذهبت به، قال هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم، ولم يرد الله له، ولأبي جهل وجماعته الخير، فأصروا على عنادهم فهلكوا كفارا. «فَأَمَّا عادٌ» قوم هود عليه السلام «فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ» وتعاظموا على أهلها واستولوا على ما ليس لهم منها ظلما «وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً» لينزعنا عنها، يهدّدون نبيهم بهذا القول حينما خوفهم عذاب الله معتمدين على ضخامة أجسادهم وقوة سواعدهم، قالوا كان أحدهم يقلع الشجرة من الأرض والصخرة من الجبل بيده، فرد الله عليهم بقوله عزّ قوله «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً» لأنه قادر على إبادتهم بصيحة من أحد ملائكته، ولو شاء لانتزع قوتهم وجعلهم أضعف خلقه ولكنهم بغوا بما