للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه السلام، أما المراكب العظيمة ذوات المحركات وإن كانت تسير بقوة البخار فإن الرياح تؤثر فيها تأثيرا قد يلحىء ربانها إلى الوقوف إذا رأى مريا خوفا من الغرق لأنه لا يقدر أن يسيرها بانتظام لما تلعب فيها الرياح يمينا وشمالا حتى تكون كالكرة بيد الشاب، فيمشيها بتؤده لأنها مهما عظمت فهي عند اشتداد الريح وهيجان البحر كتبنة صغيرة، وقد رأيناها عيانا هكذا بسفرنا إلى الحجاز، وممن عظيم ما رأينا لم تسمح أنفسنا بالعودة بحرا ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لزيارة بيته الحرام وضريح نبيه عليه الصلاة والسلام «إِنَّ فِي ذلِكَ» المذكور من آيات الله «لَآياتٍ» عظيمات دالات على قدرة القادر وعبرة مؤثرة «لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ» ٣٣ لنعم الله من كاملي الإيمان، لأن الإيمان نصفه صبر ونصفه شكر، وهذه صفه المؤمن يصبر في الشدة وبشكر في الرخاء فيظفر بمطلوبه كما قيل:

وقلّ من جد في أمر يطالبه ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

قال تعالى «أَوْ يُوبِقْهُنَّ» يغرقهن ويهلكهن «بِما كَسَبُوا» ركابها من الذنوب الموجبة لذلك، لأن السفن لا جرم لها، ولهذا عاد الضمير على راكبيها وعود الضمير على ما ليس بمذكور جائز إذا تقدم ما يدل عليه أو كان معلوما كما هنا، راجع الآية ٤ من سورة القدر في ج ١، «وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ» ٣٤ بأن ينجيهم بفضله ورحمته ومنّه وعطفه ولطفه «وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ» ٣٥ محيد يحيدون عنه ويلجأون إليه إذا وقفوا في مثل هذه الشدائد وعرفوا بطل جدالهم. واعلم أن (وَيَعْلَمَ) في صدر هذه الآية جار على الاستئناف على قراءة نافع وابن عامر، وقرأ الباقون بالنصب عطفا على تعليل محذوف، أي لينتقم منهم وليعلم الذين يجادلون إلخ، «فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ» أيها الناس من الحطام «فَمَتاعُ الْحَياةِ» في هذه «الدُّنْيا» تتمتعون فيها به لانقضاء آجالكم، ثم تتركونه، وهذا مما يستوي فيه المؤمن والكافر «وَما عِنْدَ اللَّهِ» من الثواب الذي خبأه لكم بمقابل أعمالكم الصالحة «خَيْرٌ» من زخارف الدنيا وجاهها «وَأَبْقى» منها وأدوم وأحسن «لِلَّذِينَ آمَنُوا» بنعيم الآخرة «وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» ٣٦ في أمورهم كلها،

<<  <  ج: ص:  >  >>