للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما قيل إن هذه الآيات نزلت في أبي بكر رضي الله عنه حين تصدق بكل ماله لا يتجه، لأن هذه الآية مكية وهو رضي الله عنه تصدق بالمدينة لا بمكة، لهذا فإنها عامة في كل من اتصف بما جاء فيها، ويدخل فيها الصديق دخولا أوليا، لأنها غير مقيدة بزمان فتشمل كل من هذا شأنه إلى يوم القيامة. ثم قسم الله تعالى عباده من جهة التحمل إلى ستة أقسام فقال أولا «وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ» كالشرك بالله ونسبة الولد والزوجة إليه تعالى عن ذلك «وَ» يجتنبون «الْفَواحِشَ» كل ذنب عظيم قبحه يسمى فاحشا كالزنى واللواطة والقذف والسرقة من محل محرم والقتل عمدا، راجع تفصيلها في الآية ٣٢ من سورة الأعراف في ج ١ «وَإِذا ما غَضِبُوا» على من أساء إليهم «هُمْ يَغْفِرُونَ» ٣٧ إساءته لا يعاقبونه عليها ويكظمون غيظهم حلما وعفوا، فهؤلاء داخلون في قوله تعالى:

(وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) الآية ١٣٤ من آل عمران في ج ٣، ثانيا «وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ» لما دعاهم إلى الإيمان به «وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ» إذا أرادوا عمل شيء يهمّ المجتمع تذاكروا فيه فيما بينهم لا يستبدون برأيهم، فقد ورد: ما تشاور قوم إلا هدوا لما فيه رشدهم، «وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ» ٣٨ في سبيل الخير ووجوه البر. واعلم أن المشورة هي استخراج الرأي بمراجعة الناس بعضهم إلى بعض، فتحصل من تصادم الآراء واحتكاك الأقوال النتيجة المرضية التي يجمع عليها للتشاورون أو أكثرهم، كما تحصل النار من قدح الحجر بعضه ببعض أو بالزناد. وتشير الآية إلى مدح المشاورة والمتشاورين، وقد جاء في الخبر: ما خاب من استشار ولا ندم من استخار. أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: من أراد أمرا فشاور فيه وقضى هدي لأرشد الأمور. وأخرج عبد بن حميد والبخاري في الأدب وابن المنذر عن الحسن قال: ما تشاور قوم قط إلا هدوا وأرشد أمرهم، ثم تلا هذه الآية. وقد كانت الشورى بين النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه فيما يتعلق بمصالح الحروب، وكذا بين الأصحاب رضي الله عنهم بعده، وكانت بينهم في الأحكام كقتال أهل الردة وميراث الجد وعدد حد الخمر وغير ذلك مما لم يرد فيه نص شرعي، لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>