للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشورى تكون إذا لم يكن نص، ولهذا أتت القاعدة الشرعية (لا اجتهاد في مورد النص) هذا في الأحكام والحدود، أما في الأمور الإدارية والسياسية والتي مصدرها العرف والعادة فيؤخذ بما يقر عليه رأي الجماعة، لأن الأمة لا تجمع على ضلالة. وفيما يتعلق بالحروب لا بأس من اتخاذ ما لم يتخذه العدو، لأن الحرب خدعة، ولذا جاز فيه الكذب على العدو. أخرج الخطيب عن علي كرم الله وجهه قال: قلت يا رسول الله الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن ولم يسمع منك فيه شيء؟ قال اجمعوا له العابد من أمتي واجعلوه بينكم شورى، ولا تقصوا برأي واحد.

فعلى هذا ينبغي أن يكون المستشار عاقلا عابدا وأن يؤخذ بقول الأكثر كما يستفاد من قوله ولا تقضوا برأي واحد. وأخرج الخطيب أيضا عن أبي هريرة مرفوعا:

استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا. والشورى على هذا الوجه من جملة أسباب صلاح الأرض، ففي الحديث: إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم أسخياءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم أشراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأمركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها. وقيل:

إذا استشارك عدوك فاخلص له النصيحة لأنه بها خرج من عداوتك ودخل في مودتك.

وهذه الآية عامة محكمة نافذة إلى الأبد، حكي عن ابن الفرس أن هذه الآية نزلت بالمدينة وقد انفرد وحده بهذا إذ لم يقل به غيره، وان الغرس ما احتج به على ذلك من أن وقوع المشورة في القتال وغيره لم يكن إلا في المدينة لا يؤيد كون هذه الآية مدنية، لأن كثيرا من الآيات المكيات تنطبق على حوادث وقعت في المدينة، وكثيرا من الآيات المدنيات تنطبق على وقائع حدثت في مكة، فلا يعني أن هذا مكي وذلك مدني، لأن إثبات ذلك متوقف على السماع الصحيح والقول غير المطعون فيه من الرجال الثقات، وقدمنا في الآية ٣٢ من سورة النمل في ج ١ ما يتعلق في هذا البحث وله صلة في الآية ١٥٩ من آل عمران الآتية في ج ٣ فراجعهما، وثالثا «وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ» بأن تعدي عليهم ظلما وعدوانا «هُمْ يَنْتَصِرُونَ» ٣٩ لأنفسهم ممن بغى عليهم من غير تعد عليه مراقبا قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) الآية ١٩٥ من سورة

<<  <  ج: ص:  >  >>