للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البقرة ج ٣، وذلك أن المؤمن خلق عزيزا يأبى الذل وسكوته في مثل هذه الحالة هوان فيه ومهانة عليه، وقال تعالى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) الآية ٩ من سورة المنافقين ج ٣، وعلى هذا يؤول قول الإمام الشافعي: زن من وزنك، بما اتزنك. وما وزنك به فزنه. من جاء إليك، فرح إليه. ومن جفاك، فصدّ عنه. ومع هذا إذا عفا وهو قادر على الانتصار لنفسه فهو أحسن وقد أخذ بالعزيمة وهي أحسن من الرخصة إذا لم يكن فيها إغراء للسفيه إذ يكون حط من الكرامة وقد يأباها خلق المؤمن، قال:

ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلا الأذلان عير الحي والوتد

هذا على الخسف مربوط برمّته ... وذا يشجّ فلا يرثي له أحد

وقال الآخر:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

وقال الآخر:

فوضع الندى في موضع السيف بالعدى ... مضر كوضع السيف في موضع الندى

أما إذا كان يملك نفسه كالقائل:

إذا فاه السفيه يسب عرضي ... كرهت أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة وأزيد حلما ... كعود زاده الإحراق طيبا

وقول الآخر:

فأعرض عن شتم الكريم ادخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرما

فلا بأس، فقد أخذ بالعفو والصفح المحمودين، وكان من ذوي النفوس الطاهرة النقية يأبى أن يطرأ عليها معنى الذل وخاصة إذا كان يقصد تحمل الأذى قربة إلى الله تعالى فلا يحب الانتصاف لنفسه، فهو من الكاملين ولا يظن به ما يظن بغيره من الهوان والضعف. وإذا كان الإعراض عن المقابلة تمدها كقوله في السكوت عن إجابة اللئيم في سبابه:

ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني ... فأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة وأزيد حلما ... كعود زاده الإحراق طيبا

<<  <  ج: ص:  >  >>