«الَّتِي أُورِثْتُمُوها» شبه الله تعالى ما استحقوه بأعمالهم الصالحة من الجنة ونعيمها الباقي لهم، بما يخلفه الرجل لوارثه من الأملاك والأموال، ويلزم من هذا التشبيه تشبيه العمل نفسه بالمورث بكسر الراء فاستعير الميراث لما استحقوه، ثم اشتق أورثتموها فيكون هناك استعارة تبعية، وقيل تمثيلية، وجاز أن تكون مكنية، فالتبعية هي التي لا تجري الاستعارة فيها ابتداء غير اسم الجنس بل تبعا، وردها السكاكي إلى المكنية، وهي لفظ المشبه به المتروك المستعمل في المشبه المرموز إليه بذكر لازمه كلفظ السبع المتروك في قولنا: أظفار المنية نشبت بفلان، والتمثيلية هي الهيئة الحاصلة في الذهن المنتزعة من عدة أمور نحو إني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، لمن يتردد في الفتوى والأمر، ولكل أقسام مذكورة في محلها، وقد فسرها الخطيب بغير هذه التفاسير، ومن أراد تمام الاطلاع على هذا فليراجع علم البيان. هذا، ويقول الله تعالى قوله وقد جعلت لكم الجنة ميراثا «بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ٧٢ بسبب عملكم الطيب في الدنيا ونعم الميراث الجنة الدائمة من الدنيا الفانية يا عبادي الأبرار «لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ» لا يحصى نوعها ولا جنسها فهي ألوان وأشكال وطعمها متنوع لا يقدر أن يصفها واصف ولا يعدها عاد «مِنْها تَأْكُلُونَ» ٧٣ متى اشتهيتم بلا تعب ولا ثمن، أخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن سابط قال: قال رجل يا رسول الله صلّى الله عليه وسلم هل في الجنة خيل فإني أحب الخيل؟ قال إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرسا من يا قوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت إلا فعلت. وسأله آخر فقال: يا رسول الله هل في الجنة من إبل فإني أحب الإبل؟ قال فلم يقل له ما قال لصاحبه فقال إن يدخلك الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك. وجاء في حديث آخر أنه لا ينزع أحد في الجنة من ثمرها ثمرة إلا بنت مكانها مثلها. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: ما من أحد إلّا وله منزل في الجنة ومنزل في النار، فالكافر يرث المؤمن منزلته في النار والمؤمن يرث الكافر منزلته في الجنة وذلك قوله تعالى (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ) الآية، وقدمنا ما يتعلق في هذا في الآية ٤٣ من سورة الأعراف وله صلة في الآية ٣٢ من سورة النحل الآتية.