وأخرج هناد وعيد بن حميد في الزهد عن ابن مسعود قال: تجوزون الصراط يعفو الله، وتدخلون الجنة برحمة الله، وتقتسمون المنازل بأعمالكم. أي بفضل الله لأن الأعمال وحدها لا تكفي، وهذا معنى قوله صلّى الله عليه وسلم: لن يدخل أحدكم الجنة. بعمله أي على سبيل الاستقلال والسببية، وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث. واعلم أن الآية السابقة تفيد أن ما كان بين الناس في الدنيا من مودة ومحبة وخلة تنقطع كلها إلا ما كان منها على تقوى الله وطاعته ورضاه، وهؤلاء هم المتحابون في الله، المتصادقون على محبته. روي عن علي كرم الله وجهه في تلك الآية قال: خليلان مؤمنان وخليلان كافران، مات أحد المؤمنين فقال يا رب إن فلانا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ويخبرني أني ملاقيك، يا رب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني، فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما فيقول ليئن كل منكما على صاحبه، فيقول نعم الأخ ونعم الخليل ونعم الصاحب، قال ويموت أحد الكافرين فيقول يا رب إن فلانا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ويخبرني أني
غير ملاقيك، يا رب أضلّه ولا تهده كما أضلني، ولا تكرمه كما أهانني، فإذا مات خليله الكافر جمع بينهما فيقول ليئن كل منكما على صاحبه، فيقول بئس الأخ وبئس الخليل وبئس الصاحب. وقيل في هذا:
وليس أخوك الدائم العهد بالذي ... يذمك ان ولى ويرضيك مقبلا
ولكنه النائي إذا كنت آمنا ... وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا
وقال الآخر:
وتعجب في قطعي مودة صاحب ... وقد كنت قدما مولعا بوداده
فقلت لها يا عزّ لا تعجبي له ... من الحزم قطع العضو عند فساده
هذا وقد ذكر الله تعالى الملاذ كلها ولم يذكر اللذة الكبرى وهي النظر إلى وجهه الكريم، على انها تدخل في قوله (وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) وعلى هذا قوله صلّى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي عن أنس: حبب إليّ الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة. وقال قيس بن ملوح: