لأنه ينشأ عنه ومن هنا للتأكيد والتقوية راجع الآية ١٣ من سورة المؤمن المارة ويراد به هنا المطر للعلة نفسها هناك لأن أعظم الأرزاق هو الماء ومنه يتغذى ما يكون رزقا لجميع الخلق «فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ» التي هي معدن الأرزاق «بَعْدَ مَوْتِها» يبسها ويبس نباتها، وفيها الاستدلال على البعث بعد الموت، لأن الذي أحياها يحيي الموتى «وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ» يمينا وشمالا شرقا وغربا، وجعلها باردة وحارة ومعتدلة وشديدة كدرة وصافية لينة وعاصفة «آياتٌ» عظيمات أيضا دالات على وجود الإله المغير لها المعبود بالحق وعلى نفي الأوثان العاجزة عن كل شيء «لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» ٥ مراد الله في ذلك كله. اعلم أرشدك الله أن في ترتيب هذه الآيات آيات أيضا لمن تدبرها وتفكر فيها، لأنه إذا نظر هذين الهيكلين الجسيمين علم بالضرورة أنه لا يقدر على صنعها إلا الرب العظيم فآمن به، وإذا تفكر في خلق نفسه وكيفة تقلبها من حال إلى حال فنظر في أصل خلقه وخلق الحيوانات بالولادة والتولد ومصيره ومصيرها ازداد إيمانا، وإذا استحد فكرته وراجع فطنته في الحوادث المتجددة ليل نهار وما يقع صباح مساء أيقن بأن لا فاعل مختار لهذه الأشياء إلا الواحد القهار، وإذا تدبر تصاريف الرياح وتقلبات الدهر واستدل بإحياء الأرض بالمطر بعد اليبس الذي هو بمثابة الموت لها على حياة البشر بعد موته لأن السبب واحد فيهما استحكم إيمانه وكمل يقينه وعقل الحكمة التي أرادها ربه من إيجاد الكون وأخلص لله ففاز بخير الدنيا والآخرة، ولهذا ختم الله الآية الأولى بالمؤمنين، والثانية بالموقنين، والثالثة بالعاقلين، ومن اجتمعت فيه هذه الخصال الثلاث أفلح وفاز فاعقل هذا في الدنيا هداك الله لحكمته لتتوصل في الآخرة إلى فسبح جنته «تِلْكَ آياتُ اللَّهِ» الذي برأ كل شيء وأحسن خلقه وهداه لما فيه هداه، وقد أوجدها عبرة وعظة لأولي الألباب ليعقلوا معناها ويعرفوا مغزاها، «نَتْلُوها عَلَيْكَ» يا سيد الرسل «بِالْحَقِّ» الناصع بواسطة أميننا جبريل لتتلوها على قومك علهم يؤمنوا بها وإذا لم يفعلوا فقل لهم «فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ» ٦ أي لا يؤمنون أبدا، إذ غلب على عقولهم الإفك، وحجب قلوبهم وسخ الإثم، وصم آذانهم رين التكذيب، وعمى أبصارهم