لأن أصل الشر كله متابعة الهوى وكل الخير في مخالفته، وقيل:
نون الهوان من الهوى مسروقة ... فأسير كل هوى أسير هوان
وقال أبو عمرو موسى بن عمر الأشبيلي الزاهد:
فخالف هواعا واعصها إن من يطع ... هوى نفسه ينزع به شر منزع
ومن يطع النفس اللجوجة ترده ... وترم به في؟؟؟ أي مصرع
واعلم أن متابعة الهوى مذمومة قبل الإسلام، قال عنترة:
إني امرؤ سمح الخليقة ماجد ... لا أتبع النفس اللجوج هواها
وقال الأبوصيري:
وخالف النفس والشيطان واعصهما ... وإن هما محضاك النصح فاتهم
ولا تطع منهما خصما ولا حكما ... فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
وقال غيره:
هي النفس إن تمهل تلازم خساسة ... وإن تنبعث نحو الفضائل تبتهج
قال ابن عباس: ما ذكر الله هوى إلا ذمه. وقال وهب: إذا شككت في خير أمرين فانظر أبعدهما من هواك. وقال سهل التستري هواؤك داؤك، فإن خالفته فدواؤك، وجاء في الحديث والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، وفي حديث آخر: ثلاث مهلكات، شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. فيجب على النبيه النبيل أن يعرض عن هواه فإنه مفارقه، وإلا فهو نار ثانية عليه يذهب معه إلى جهنم، قال:
جمع الهواء مع الهوى في مهجتي ... فتكاملت في أضلعي ناران
فقصرت بالممدود عن نيل المنى ... ومددت بالمقصور في أكفاني
وهذه نزلت في الحارث بن قيس السهمي، إذ كان لا يهوى شيئا إلا ركبه.
وحكما عام في كل من اتبع هواه، وفيها إعلام عن ذم الهوى واتباع الشهوات ما فيها لمن اتبع ذلك، لأن جواهر الأرواح منها ما هو مشرق علوي نوراني، فلا يميل إلا لما يرضي خالقه مبدعه، ومنها ما هو رذيل سفلي ظلماني فلا يميل إلا لما يعجب نفسه، وإن الله تعالى يقابل كلا بما يليق بماهيته وجوهره. ونظير هذه الآية