الآيتان ٤٣- ٤٤ من سورة الفرقان، في ج ١ فراجعهما. قال تعالى «وَقالُوا» منكرو البعث بعد هذه الآيات البينات على إثباته «ما هِيَ» الحياة «إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا» لا حياة بعدها أبدا «نَمُوتُ» أي يموت آباؤنا «وَنَحْيا» نحن بعدهم ونموت نحن ويحيا أبناؤنا بعدنا، وهكذا أرحام تدفع وأرض تبلع، أو نحيا نحن ونموت، لأن العطف بالواو لا يفيد ترتيبا ولا تعقيبا، وعلى هذا قوله تعالى (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ) أي رافعك إلى السماء الآن ومتوفيك بعد، راجع الآية ٥٥ من سورة آل عمران ج ٣ «وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ» في كره ومره واختلاف جديديه. واعلم أن الدهر اسم لمدة العالم من مبدإه إلى منتهاه، ويعبر به عن كل مدة طويلة، بخلاف الزمن، فإنه يقع على القليل والكثير.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار.
وفي رواية يؤذيني ابن آدم، ويقول يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره، فإذا شئت قبضتهما. وفي رواية يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار. وأخرج مسلم لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر. وأخرج أبو داود والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم: يقول الله عز وجل استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني عبدي وهو لا يدري، يقول وا دهراه، وأنا الدهر. وأخرج البيهقي: لا تسبوا الدهر، قال الله عز وجل أنا الأيام والليالي أجودها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك. ومعنى ذلك أن الله تعالى هو الآتي بالحوادث، فإذا سببتم الدهر على أنه فاعل وقع السب على الله تعالى عز وجل، ولهذا عدّ بعض العلماء سب الدهر من الكبائر، لأنه يؤدي إلى سبه تعالى وتنزه وهو كفر، وما أدّى إليه فأدنى مراتبه أن يكون كبيرة، وقالت الشافعية مكروه لا غير. وعندنا نحن الحنفية تفصيل، فمن سب الدهر وأراد به الزمان كما هو المتعارف لدى العامة فلا كلام في الكراهة، وإذا أراد رب الزمن وهو الله عز وجل ولا أظن أحدا يريد ذلك فلا كلام في الكفر، راجع الآية ١٣٩ من سورة الأنعام المارة. ومن هذا القبيل إذا نسب فعل الأشياء إلى الكواكب