للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوديتهم بين عمان ومهرة، وقيل في مهرة في أراضي حضرموت باليمن، ففرحوا فرحا شديدا، لأن المطر كان حبس عنهم مدة طويلة، وكانوا أهل عمل، إلا أنهم يسيرون إلى المراعي ومواقع القطر في الربيع، فإذا هاج العود ويبس رجعوا إلى منازلهم، وهم من قبيلة إرم «قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا» لأن العارض هو السحاب يعرض في ناحية السماء ثم يطبق بآفاقها فيمطر إن شاء الله، قال الأعشى:

يا من يرى عارضا قد بت أرقبه ... كأنما البرق في حافاته الشعل

وقال الآخر:

يا من رأى عارضا أرقت له ... بين ذراعي وجبهة الأسد

قال تعالى ردا على زعمهم «بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ» من العذاب «رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ» ٢٤ لا طاقة لقوى البشر على تحمله ولا تقدر على دفعه، وهذه الجملة صفة ريح لأنه نكرة والجمل بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال، وهذه الريح المشئومة «تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ» تمر به وتهب عليه «بِإِذْنِ رَبِّها» لأنها مرسلة منه بالعذاب فلا تبقي لما تمر به أثرا، فأهلكهم الله جميعا «فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ» خالية، والخطاب لكل من يتأتى منه الرؤية، أو لسيد المخاطبين خاصة، وقرىء يرى على الغيبة بالمجهول وهي المثبتة بالمصاحف «كَذلِكَ» مثل هذا الجزاء الصارم «نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ» ٢٥ قالوا إن تلك الريح كانت تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كأنها جرادة، فدخلوا بيوتهم حين رأوها وأغلقوا أبوابها، فقلعت الأبواب وصرعتهم، وأهالت عليهم الرمال سبع ليال وثمانية أيام، حتى دفنتهم وصار لهم أنين تحت الرمال، ثم كشفتها عنهم وحملتهم فرمتهم في البحر وتركت بيوتهم خالية، قالوا وإن هودا عليه السلام خط على نفسه ومن آمن به خطا فصارت تمر بهم لينة باردة معجزة له عليه السلام. روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به، وإذا تخيلت السماء (تغميت، والمخيلة السحاب الذي يظن فيه المطر) تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر،

<<  <  ج: ص:  >  >>