ومنهم الكافر، وأن مؤمنهم معرض للثواب وكافرهم مهيء للعقاب، وإنما عبر بمن لأن الغفران لا يعم كل الذنوب إذا لم يشأ الله ذلك، لأن منها ما هو حق خالص لله مبني على المسامحة، ومنها ما يتعلق بها حق الغير فيتوقف غفرانها على إرضاء أربابها لأنه مبني على المشاححة، فقد لا تسمح نفسه بعفوها، فالأولى تكفرها التوبة فقط، والثانية التوبة وتأدية الحقوق، والمقاصصة أو العفو، والتي فيها حق الله حق العبد فيلزم لها كلا الشرطين، راجع الآية ٢٧ من سورة الشورى المارة تعلم تفصيل هذا، على أن الله تعالى إذا أراد خيرا بأمثال هؤلاء فإنه يرضي خصومهم ويدخلهم الجنة جميعا، قال ابن عباس وابن أبي ليلى إن الجن كالإنس يثابون على الإحسان ويعاقبون على الإساءة ويدخلون الجنة والنار بسبب أعمالهم، ونراهم في الآخرة من حيث لا يروننا عكس حالتهم في الدنيا كما ذكرناه في الآية ٢٧ من سورة الأعراف في ج ١، وهذا أصح الأقوال في الجن يؤيده قوله تعالى (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) الآية ٥٦ من سورة الرحمن في ج ٣، قال هذا حمزة بن حبيب، وقال عمر بن عبد العزيز يكونون في رحاب الجنة وربضها أي فنائها، ثم هددوا قومهم فقالوا لهم «وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ» فإنه يخذله ويأخذه أخذا قويا «فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ» لأنه في قبضة ذلك الإله العظيم الذي لا يفوته فائت ولا يهرب من جزائه هارب سواء دخل في أعماق الأرض أو طار في أقطار السماء أو غاص في أعماق البحور، ولهذا البحث صلة في الآية ٣٣ من سورة الرحمن في ج ٣ فراجعه «وَلَيْسَ لَهُ» لهذا الذي لا يجيب داعي الله من «مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ» يمنعون وصول العذاب إليه أو ينصرونه منه «أُولئِكَ» الذين لا يجيبون داعي الله الآبون عن الإيمان به «فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ٣٢ ظاهر معرضين عن سلوك الطريق القويم. وفي هذه الآيات دلالة ظاهرة واضحة على عموم رسالته صلّى الله عليه وسلم إلى الجن، وعلى أن الجن هم رسله إلى قومهم كرسل سيدنا عيسى عليه السلام، كما أشرنا إليه في الآية ٢٨ من سورة سبأ وفيها ما يرشدك إلى الآية ١٥٨ من سورة الصافات والآية ١٢٨ من سورة الأنعام المارات فيما يتعلق بهذا وغيره فراجعها تجد ما تريده إن شاء الله. أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن الحبر أنه قال: