صرفت الجن إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم مرتين. وقد نقلنا في القصة على ما ذكره الخفاجي أن الأحاديث دلت على أن وفادة الجن كانت ستة مرات، وبذلك يجمع بين الاختلاف الوارد في الروايات بأن كان عددهم سبعة، وقيل تسعة، وقيل اثنى عشر، وقيل ثلاثمائة، وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة أنهم اثنا عشر ألفا، وعن مجاهد أنهم واحد وأربعون، وهذا الاختلاف في العدد أيضا يدل على أن لقاءهم بحضرة الرسول كان ست مرات وكل راو روى عددا مما ذكر، وكما وقع الاختلاف في الوفادة والعدد والمكان وقع الاختلاف في الزمن، وقدمنا أيضا ما يتعلق فيه أول سورة الجن، وإلى هنا انتهى ما يتعلق بالجن، أما تاريخه فقد أخرج أبو نعيم في الدلائل والواقدي عن أبي جعفر قال: قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم الجن في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من النبوة أي كان أول اجتماعهم به. هذا والله أعلم.
قال تعالى «أَوَلَمْ يَرَوْا» قومك يا محمد «أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ» يعجز ويتعب أو يتحيّر وحاشاه من هذا كله «بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى» مرة ثانية كما خلقهم أول مرة قل يا أكرم الرسل «بَلى» هو قادر على ذلك وهو أهون عليه، لأن الإبداع وهو اختراع ما لم يكن أعظم من الإعادة لأن لها مثالا وهو على غير مثال «إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ٣٣ وإحياء الموتى شيء مقدور لله، فينتج إحياء الموتى مقدور لله، وذلك أن قوله (عَلى كُلِّ شَيْءٍ) تشير إلى كبرى لصغرى سهلة الحصول كما ذكرنا، ويلزم منها أنه تعالى قادر على إحياء الموتى كما أنشأهم أول مرة. واعلم أن ما قرأه بعضهم بدل قدير (يقدر) لا يلتفت إليه ولا تجوز هذه القراءة كما مر في الآية ٥٨ من سورة الأنعام، ولبحث القراءة صلة في الآية ١١ من سورة الحج في ج ٣.
قال تعالى «وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا» من منكري البعث وغيرهم «عَلَى النَّارِ» يوم القيامة يقال لهم «أَلَيْسَ هذا» الذي تشاهدونه من الإحياء بعد الموت والعذاب الذي أوعدكم به الرسل في الدنيا «بِالْحَقِّ» والصدق كما أخبروكم به «قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ» تعالى «فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» ٣٤ بذلك وتجحدونه. وهذه الآية الثالثة المدنية كما قال صاحب البحر