عن ابن عباس وقتادة رضي الله عنهم وقد التفت بها جل جلاله إلى رسوله صلّى الله عليه وسلم يسليه بها عما هاجمه به قومه فقال عز قوله «فَاصْبِرْ» يا أكرم الرسل «كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ» ذوو الثبات والجد والحزم «مِنَ الرُّسُلِ» قبلك وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وهو خاتمهم، راجع الآية ١٣ من سورة الشورى المارة والآية ٧ من سورة الأحزاب في ج ٣، وهذا أصح الأقوال في عددهم، وقال بعض العلماء إن الرسل كلهم أولوا عزم، لأنهم امتحنوا وصبروا عدا من استثنى الله بقوله في حق آدم (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) الآية ١١٥ من سورة طه. وفي حق يونس بقوله (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) الآية ٤٨ من سورة القلم المارتين في ج ١، وقال آخرون هم الثمانية المذكورون في الآيتين ٨٥/ ٨٦ من سورة الأنعام المارة، وعلله بقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) الآية ٩٧ منها وقال غيرهم أنهم تسعة: نوح لصبره زمنا طويلا على أمته، وإبراهيم لصبره على الإلقاء بالنار، وإسماعيل لصبره وتسليم نفسه للذبح، ويعقوب على فقد ولده، ويوسف على البئر والسجن والمرأة، وأيوب على البلاء العظيم الذي ابتلي به، وموسى على قومه، وداود لبكائه على خطيئته أربعين سنة، وعيسى على الزهد في الدنيا، وهذا القول ضعيف لعدم ذكره خاتم الرسل الذي امتحن بأكثر منهم وصبر على أذى قومه مع قدرته عليهم بتقدير الله إياه على الانتقام منهم، والقول الأول هو الصحيح، وقد نظمهم بعض الأجلة بقوله:
أولو العزم نوح والخليل الممجد ... وعيسى وموسى والحبيب محمد
أي اصبر يا محمد على دعوة الحق ومكابدة الشدائد كما صبر إخوانك الرسل من قبلك «وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ» نزول العذاب الذي وعدناك به ليؤمن مؤمنهم ويصر كافرهم وأنهم مهما مكثوا في هذه الدنيا لا يعد شيئا بالنسبة لطول الآخرة «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ» من العذاب وأهوال القيامة «لَمْ يَلْبَثُوا» في الدنيا «إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ» لأنهم يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا لما يرون من أهوال القيامة وطولها حتى يظنونه ساعة واحدة. واعلم يا سيد الرسل أن هذا القرآن الموحى إليك وما فيه من الآيات البينات «بَلاغٌ» كاف من الموعظة وان