للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موقع يتلى فيه كتاب الله، قال أتل على شيئا منه، فتلوت (وَالذَّارِياتِ) إلى قوله تعالى (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) الآية، قال حسبك، فقام على قعوده ونحره ووزع لحمه على من أقبل وأدبر، وعمد إلى قوسه وسيفه فكسرهما وولى. وقد عجبنا جميعا من حاله وفعله وإدباره، ثم بعد سنين حججت مع الرشيد وطفقت أطوف البيت، وإذا بمن يهتف بي بصوت رقيق، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي، وإذا قد نحل جسمه واصفر لونه، فسلم علي واستقرأني السورة، فقرأتها حتى بلغت الآية، فصاح وقال قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ثم قال وهل غير ذلك؟

قلت بلى، قال زدني، فقرأت (فَوَ رَبِّ السَّماءِ) الآية، فصاح وقال يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل الجبار حتى خلف، ألم يصدقوه حتى حلف؟ وكرر هذه الجملة ثلاثا وخرجت معها نفسه. رحمه الله رحمة واسعة ورزقنا التصديق بآيات الله تعالى على ما يريده. ثم شرع يقص لحبيبه ما وقع لجده، وهذه القصة ولو أن فيها بعض ما قصه سابقا إلا أن القصص المكررة كل واحدة منها فيها ما لم يكن في غيرها ولنفي بالمقصود، وهذا من بلاغة القرآن العظيم وفوائد التكرار:

قالوا لمسلم فضل ... قلت البخاري أولى

قالوا البخاري مكرر ... قلت المكرر أحلى

فقال تعالى قوله يا سيد الرسل «هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ» ٢٤ وصفهم بالكرم لأنهم ملائكة كرام عليه أو لأن إبراهيم الكريم أكرمهم أو لأنهم ضيوفه وهو مكرم على الله، ولفظ ضيف يطلق على الواحد والجمع ولذلك جاء وصفه جمعا كالصوم والزور، قيل كانوا تسعة عاشرهم جبريل عليه السلام، راجع قصتهم في الآية ٦٩ من سورة هود المارة. واذكر لقومك يا حبيبي «إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً» عليك يا إبراهيم يا خليل الرحمن «قالَ سَلامٌ» ثم سكت وصار يتملأ بهم ويتعجب من حالتهم إذ دخلوا عليه بلا استئذان، ورأى أن عملهم هذا منكر، فقال أنتم «قَوْمٌ مُنْكَرُونَ» ٢٥ لأن دخلو لكم قبل أن نأذن لكم وقبل أن تستأذنوا عندنا منكر، ولم يجر في عرفنا وأنتم غرباء عن هذه البلاد ولا معرفة لنا بكم، فكيف تجاسرتم على هذا، أولا تعرفون أن عوائدنا هنا عدم

<<  <  ج: ص:  >  >>