جواز الدخول إلا برخصة من صاحب البيت، أنبهم عليه السلام من جهة عدم مراعاتهم العوائد المتعارفة، ولكنه عذرهم بكونهم غرباء عن بلاده، ولأنهم سكتوا ولم يردوا عليه بشيء بما استدل به على أنهم عرفوا تقصيرهم، لأنه لم يشك بهم أنهم غير بشر لمجيئهم بصفة البشر ولم يسألهم عن هويتهم وهم لم يذكروا له شيئا «فَراغَ إِلى أَهْلِهِ» ذهب بانسلال حتى لا يحسوا به أنه ذهب ليحضر لهم قراهم وهكذا عادة الكرام إذا نزل بهم الضيف ينسلون من أمامه ليهيئوا له قراه من حيث لا يشعر ولئلا يمنعوه من ذلك، فأسرع وذبح وطهى، كما يدل عليه قوله «فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ» ٢٦ مشوي لقوله في الآية ٦٩ من سورة هود المارة (بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) والقرآن يفسر بعضه، فحمل عليه كما يحمل المقيد على المطلق، راجع الآية ٤٥ من سورة الأنعام المارة «فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ» زيادة في إكرامهم لأنه لم يدعهم إليه بل وضعه أمامهم، وهذا من آداب الضيافة التي شرحناها في الآية المذكورة من سورة هود المارة، فرآهم لم يأكلوا «قالَ أَلا تَأْكُلُونَ» ٢٧ بلين ولطف كما تدل عليه أداة الطلب الخاصة بالرفق والاحترام، لأنه أراد تلافي ما بدر منه عند دخولهم، ولا سيما أنهم لم يجادلوه، فلم يترك شيئا من آداب الضيافة قولا وفعلا إلا فعله معهم، ولما رآهم لم يجيبوا دعوته ولم يمدوا أيديهم لأكله وهو من خير ما يقدم للضيف خشي منهم ووجل وساوره الخوف، لأنه أنبهم ولم يعرفهم وأصروا على عدم الأكل «فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً» لأن عدم الأكل يدل على سوء الظن، وهو أمارة على الضغائن، وهذه عادة معروفة عندهم ولا تزال حتى الآن فصار يدخل ويخرج فلما أحسوا به أنه قلق من عدم أكلهم ووقع في قلبه الرهبة منهم وهم جماعة وهو واحد «قالُوا لا تَخَفْ» وأخبروه بأنهم ملائكة الله «وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ» ٢٨ كثير العلم «فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ» لما سمعت قولهم هذا «فِي صَرَّةٍ» صيحة مأخوذة من صرير القلم والباب والهودج والرحل، أي صارت تولول كعادة النساء إذا سمعن شيئا، وصرتها هذه هي قولها في آية هود المارة (يا وَيْلَتى) وقيل الصرة الجماعة المنضمين لبعضهم، كأنها جاءت مع نسوة ينظرن الملائكة الكرام «فَصَكَّتْ وَجْهَها» عند سماعها تلك البشارة،