بانقضاء آجالهم المقدرة في علمنا «لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ» عن مدته لاشتباههم بها كما سيأتي في القصة «قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ» بعد إفاقتهم «كَمْ لَبِثْتُمْ» في رقدتكم هذه، لأنهم لم يروا تغييرا ما من أنفسهم إلا ما أنكروه من طول أظفارهم وشعورهم «قالُوا» بعضهم لبعض «لَبِثْنا يَوْماً» كعادة النائم إذ لا يزيد على اليوم غالبا، ولما نظروا إلى الشمس، وقد يقي منها بقية، وكان نومهم غدوة النهار، ورأوا آثار النوم بأعينهم كأنهم لم يستوفوا معتادهم منه، فقالوا «أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ» إلا أنهم في شك من قولهم هذا لما رأوا طول أظفارهم وشعورهم، بما يدل على أن نومهم أكثر من أن يقدر، فارتبكوا و «قالُوا» بعضهم لبعض «رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ» فوضوا العلم إلى الله لئلا يخطئوا في التقدير، ثم أحسوا بالجوع فقال بعضهم لبعض «فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ» الفضة المضروبة المتعامل بها تداولا بين الناس وهو بكسر الراء المال من الدراهم فقط، وبفتحها المال و؟؟؟ والإبل كما في أدب الكاتب لابن قتيبة، وقيل في المعنى:
أعطينني ورقا لم تعطني ورقا ... قل لي بلا ورق هل ينفع الورق
وفي رواية الحكم، والكاغد الذي يكتب عليه بفتح الراء، ويطلق على الفضة الغير مضروبة أيضا «هذِهِ» إشارة إلى ورقكم. وفي حملهم هذه النقود عند فرارهم دليل على جواز حمل النفقة وما يصلح للمسافر لئلا يكون عالة على غيره أو يعرض نفسه للهلاك الحسي أو للتسؤّل وهو الهلاك المعنوي، وهذا رأي المتوكلين على الله، قال صلّى الله عليه وسلم: اعقلها وتوكل، وقال بعض الأجلة: إن توكل الخواص ترك لأسباب بالكلية، مسندلا بما روي عن خالد بن الوليد أنه شرب السم فلم يصبه شيء، وأن سعد ابن أبي وقاص وأبا مسلم الخولاني مشيا بالجيوش على متن البحر، وكذلك البراء الحضرمي خاض بقومه البحر، وتميم الداري دخل الغار الذي فيه النار ليردّها بأمر عمر رضي الله عنهم. وقال الإمام أحمد وإسحق وغيرهما من الأئمة بجواز دخول المفاوز بغير زاد وترك التكسب والتطبيب لمن قوي يقينه وتوكله، ودليل الاحتياط مع التوكل فعل موسى عليه السلام وفتاه حينما سارا إلى الحضر إذ حملا معهما حوتا كما سيأتي في الآية ٦١ الآتية وعمل هؤلاء الأبرار