وجهته «وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ» تتركهم وتزورّ عنهم «ذاتَ الشِّمالِ» لجانبه وجهته «وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ» من متسع الغار «ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ» وعجائبه وبدائعه لأن من كان في ذلك السمت لتصيبه الشمس وهي لا تمسهم إكراما لهم وهم لم يقصدوا ذلك الغار إلا بهداية الله «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ» وفي هذه الجملة ثناء عليهم لسلوكهم سبل الهداية وعطفا عليهم لتخصيصهم بتلك الكرامة ولطفا بهم لإنقاذهم من الضلالة «وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً» ١٧ من دونه البتة «وَتَحْسَبُهُمْ» أيها الناظر إليهم «أَيْقاظاً» لأن أعينهم مفتحة «وَهُمْ رُقُودٌ» نيام، والواو هنا للحال، وهذا من جملة ما خصّهم الله به ليهابهم منّ يدخل عليهم فيتحاشاهم وينكص خوفا منهم لأنهم جماعة وفي ظل كهف فلا يتجاسر أحد من أن يقربهم. قال تعالى «وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ» من جانب لآخر بصورة متمادية بدليل تضعيف الفعل لئلا تأكلهم الأرض وزيادة في حرمتهم حفظا لكيانهم وإكراما لشأنهم «وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ» عتبة باب الكهف ومحل غلقه لو كان له باب يغلق كالحارس لهم من الهوام وغيرها يقلب معهم أيضا مفتوحة عيناه وقد سعد بسعادتهم ويدخل الجنة معهم فلا يوجد فيها من نوعه غيره فهو من المخصوصين كحمار عزير وعصا موسى وناقة صالح وكبش إسماعيل، ولهذا صار بعض الشيعة يسمون أولادهم كلب علي وسمي ما وراء عتبة الدار وصيدا لأنه يوصد بالعمد ويدقر بها لئلا يفتح. راجع آخر سورة الهمزة في ج ١، «لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ» أيها الإنسان الكامل وهم
على حالتهم تلك «لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً» لما ترى عليهم من الهيبة التي ألقاها الله عليهم ليبقوا على حالتهم حتى انقضاء الأجل المضروب لقيامهم كما سيأتي «وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً» ١٨ لما ألقى الله عليهم من الهيبة ووضعية كلهم ووحشة مكانهم، قال ابن عباس: غزونا الروم مع معاوية فمررنا بالكهف، فقال معاوية لو كشف الله لنا عنهم لنظرناهم، فقال ابن عباس منع الله ذلك من هو خير منك، وتلا عليه (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) الآية، لأن المخاطب بها سيد المخاطبين صلّى الله عليه وسلم. قال تعالى «وَكَذلِكَ» مثل ما أمتناهم بذلك اليوم «بَعَثْناهُمْ» أحييناهم من موتهم