لأن ما أفعله مخالف ظاهره لظاهر الشرع، لأني سأفعله مبدئيا وان أنكرته، وقرىء تسألنّي بفتح اللام وتشديد النون وثبوت الياء فيه وفيما قبله إجماعا، بخلاف ياء (نبغ) لأن منهم من حذفها ومنهم من أثبتها وعليه الوقف والقراءة في المصاحف بتخفيف النون وإسكان اللام «حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً» ٧٠ فأبينه لك من تلقاء نفسي، فرضي موسى على هذا الشرط وترافقا «فَانْطَلَقا» يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة، فكلموهما أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول، فلم ير موسى إلا الخضر عمد إلى لوح من السفينة، فقلعه، وذلك قوله تعالى «حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها» ثقبها فالتفت إليه موسى وقال له قوم حملونا بغير نول تعمد إلى سفينتهم فتخرقها، وهو قوله تعالى «قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً» ٧١ كبيرا عظيما يقال امر الأمر إذا كبر، ومنه قول أبي جهل لعنه الله أمر أمر ابن أبي كبشة يعني محمدا صلّى الله عليه وسلم وأبو كبشة زوج مرضعته حليمة، فيكون أباه من الرضاع، ولم ينسبه لأبيه عبد الله استحقارا به حقره الله في ناره «قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» ٧٢ وقد وعدتني بالصبر واشترطته عليك وعدم السؤال فلم توف بالشرط «قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي» تحملني وتغشني «مِنْ أَمْرِي عُسْراً» ٧٣ فلا تشدد وتعسر علي متابعتك واعف عن هفوتي وعاملني باليسر والسهولة، وإنما قال له ذلك لأنه لم ير الماء دخل السفينة من الثقب، ولم يعارضه أهلها بذلك لأنهم يعرفونه لا يعمل شيئا عبثا، قالوا وجاء عصفور فوقع على خرق السفينة فنقر في البحر نقرة، فقال الخضر لموسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، وإنما اعترض عليه موسى لأن فعله مخالف للظاهر، ولا يجوز للأنبياء السكوت على ما يرونه مخالفا لشريعتهم وهم معذورون إذا لم يصبروا لا سيما وأن في عمله ذلك خطر على أهل السفينة الراكبين فيها ومضرة على أصحابها، وكلا الأمرين غير جائز بل ممنوع شرعا بحسب الظاهر، ثم خرجا من السفينة وصارا يمشيان على الساحل، فأبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأمسكه واقتلع رأسه من جئته بيده فمات حالا،