بهم، وفيها تنبيه على أنكم يا أهل مكة إذا أصررتم على الكفر يكون مصيركم مثلهم، قال تعالى «إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ» يا سيد الرسل وتجتهد كل الاجتهاد لا يغير ما هو مدون في أزلنا أبدا «فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ» أبدا ولو أطبق الخلق على إضلال من هداه لن يقدروا أيضا «وَما لَهُمْ» الضالين «مِنْ ناصِرِينَ» ٣٧ يمنعونهم من عذاب الله المقدر لهم ولا يقدر أحد أن يهديهم أيضا، «وَأَقْسَمُوا» هؤلاء الكفرة الضالون «بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ» قال ابن الجوزي أتى رجل مسلم يتقاضى دينه من كافر، فقال فيما قال والذي أرجوه بعد الموت، فقال الكافر أترجو وتزعم هذا والله لا يبعث من يموت. فنزلت هذه الآية ردا عليه وتكذيبا له، وهو قوله «بَلى» يبعث من يموت «وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا» منجزا على طريق عدم جواز الخلف على الله إن الله لا يخلف الميعاد ومن أصدق من الله قيلا «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» ٣٨ كيفية
ذلك، لأنهم يقولون إن هذه البنية إذا بليت وتفرقت أجزاؤها امتنع عودها بعينها، لأن الشيء إذا عدم فقد فني ولم تبق له ذات ولا حقيقة، ولم يعلموا أن الله تعالى الذي بدأ خلقهم قادر على إعادتهم كما كانوا عليه، وهو أهون عليه لأن خلقهم من لا شيء على غير مثال والصعوبة إنما تكون في الابتداع لا في التقليد، فهذه السيارات والطائرات والراد والكهرباء وغيرها بعد أن اخترعت هان على العاملين عملها وكان العقل لا يصدق وجودها لو لم يشاهدها، فالفضل فيها للمبتدع لا للمقلد. واعلم أن الحكمة في إعادة الخلق أحياء في الآخرة «لِيُبَيِّنَ لَهُمُ» الله الذي خلقهم أول مرة «الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ» في الدنيا حقيقة وعيانا «وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ» ٣٩ في إنكارهم البعث وتكذيبهم ما أخبرهم به الرسل من وجود الحساب والعقاب والجنة والنار ويتحقق أن الله تعالى إذا أراد شيئا كان لا محالة بدليل قوله «إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» ٤٠ حالا بين الكاف والنون، أي يوجد عند وجود هذين الحرفين بل بينهما. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له