وقولوا لهم هل أرسل الله نبيا إلا رجلا فيما سبق من الأمم إلى الأمم «إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» ٤٣ أمرهم الله أن يسألوا أهل الكتابين لأنهم يعتقدون ذلك لعلمهم بما أنزل الله في كتبهم من هذا. نزلت هذه الآية في كفار مكة القائلين الله أعظم وأجل أن يرسل رجلا إلى الناس ولو أراد لأرسل ملكا. فرد الله عليهم زعمهم واستشهد على بطلانه بأهل الكتابين لأنهم لا يعلمون «بِالْبَيِّناتِ» المعجزات «وَالزُّبُرِ» الكتب المنزلة مثلهم، أي اسألوهم عن هذا كما سألتموهم قبلا عن حقيقة محمد وكلفوكم أن تسألوه عن الروح وأصحاب الكهف وذى القرنين، وقد أجابكم كما ذكروه لكم ومع هذا كله لم تصدقوا نذرعا بقولكم كيف يكون بشرا رسولا، عتوا وعنادا لا غير. قال تعالى «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ» القرآن وسمي ذكرا لأنه موعظة وتنبيه للعاقل يذكره بأمر دينه ودنياه، وإنما أنزلناه عليك يا سيد الرسل «لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» ٤٤ فيه فيؤمنون، والمراد من التبيين في هذه الآية بيان ما أجمل في القرآن من المتشابه، أما الحكم منه فهو مبين مفسّر لا يحتاج إلى التبيين، وقد استدل بعضهم في هذه الآية على أنه متى تعارض الحديث مع القرآن وجب الأخذ بالحديث، لأن الرسول هو المبين للقرآن بنص هذه الآية وبنص قوله (ما ينطق عن الهوى) لأن القرآن مجمل والحديث مبين له، والمبين مقدم على المجمل، ولأن المنزل عليه لا يتكلم في نفسه بل بوحي من ربه. وهذا الاستدلال بغير محله، لأن القرآن منه محكم ومنه متشابه، فالمحكم مبين لا يحتاج إلى البيان ويجب الأخذ بظاهره دون حاجة إلى تأويل أو تفسير أو قياس أو استحسان، سواء أخالف الحديث أم لا، لأن الحديث الذي نراه مخالفا لبعض القرآن لا يعمل به، ولعله موضوع لمعنى لا نعرفه، أو أنه مكذوب على حضرة الرسول، والمتشابه هو المجمل فيطلب بيانه من الحديث وأهل العلم. قال تعالى (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) لا يتبدل حكمها ولا يتغير معناها من بدء الكون إلى آخره (وأخر متشابهات) إلى أن قال (لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) وهم الأنبياء فمن دونهم ممن هو على آثارهم في العلم والعمل، وسيأتي لهذا البحث صلة في الآية ٧ من آل عمران في ج ٣