بصورة مسهبة إن شاء الله. واعلم أن القائل بهذا قائل بأن الحديث ينسخ القرآن وهو قول لا وجه له، كيف وقد قال تعالى (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) الآية ٦٦ من سورة يونس المارة، والنسخ بالسنية تبديل فكيف يجوز أن يقال به فضلا عن أن جهابذة الأصوليين لم يعترفوا به، وما قيل بجوازه فهو قيل ضعيف مستنده حديث الترمذي وغيره (لا وصية لوارث) بأنه نسخ آية (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) الآية ١٨٦ من سورة البقرة ج ٣، مع أن هذه الآية مخصصة بآية المواريث الآتية في سورة النساء كما سيأتي بحثها إن شاء الله، وقد ألمعنا إلى بطلانه في المقدمة في بحث النسخ، وسيأتي توضيحه في الآية ١٠٦ من سورة البقرة ج ٣ عند قوله تعالى (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) إلخ، واعلم أنه لا يجوز بوجه من الوجوه أن يؤخذ بالحديث إذا عارض ظاهر القرآن، وهو دليل على عدم صحته، لأنه لا يتصور أن بصدر من حضرة الرسول قول يخالف ظاهر كلام الله، كيف وهو الذي لا ينطق عن هوى وعليه أنزل القرآن وهو دليله وحجته وبرهانه. قال تعالى «أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا» المنكرات «السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ» كما خسفها بمن قبلهم «أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ» ٤٥ كما أهلك من قبلهم فجأة حال غفلتهم من نزول العذاب «أَوْ يَأْخُذَهُمْ» على غرة «فِي تَقَلُّبِهِمْ» في الأرض عند أسفارهم بها ذاهبين أو آئبين «فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ» ٤٦ الله ولا فائتيه ولا قادرين على الهرب منه «أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ» بأن يريهم إهلاك أناس أمامهم فيخافوا من وقوعه بهم أو يحدثه بهم تدريجا فيعذبهم فيهلكوا بين الخوف والعذاب أول بأول بصورة تدريجية حتى يقضى على آخرهم
«فَإِنَّ رَبَّكُمْ» أيها الناس القادر على تسليط أنواع العذاب والهلاك عليكم «لَرَؤُفٌ» كثير الشفقة عليكم «رَحِيمٌ» ٤٧ بكم لا يعجل عقوبتكم بل يمهلكم لترجعوا إليه وتتوبوا مما أذنبتم به إليه.
وفي هذه الآية من التهديد والوعيد ما تنفطر منه القلوب وترتعد منه الفرائض.
والمكر المشار إليه هو أن قريشا لما عجزت عن صد دعوة الرسول صارت تحيك الدسائس لتخلص منه، وصاروا يعقدون الاجتماعات في دار الندوة ويتذاكرون