لأنا لو فرضنا وجود إلهين فلا بد أن يكون كل واحد منهما قادرا على كل المقدورات، ولو كان كذلك لكان كل منهما قادرا على إماتة زيد مثلا وإحيائه فإذا أراد أحدهما إماتته وأراد الآخر إحياءه أي إبقاءه حيا فإما أن يقع المرادان وهو محال لاستحالة الجمع بين الضدين أو لا يقع واحد منهما وهو محال أيضا لأن المانع من وجود مراد كل منهما مراد الآخر فلا يمتنع مراد هذا إلا عند وجود مراد ذلك وبالعكس، فلو امتنعا معا لوجدا معا وذلك محال أيضا، أو يقع مراد أحدهما دون الثاني وذلك أيضا محال لأمرين: الأول لو كان كل واحد منهما قادرا على مالا نهاية له امتنع كون أحدهما أقدر من الآخر بل لا بد وأن يستويا بالقدرة، فإذا استويا فيها استحال أن يكون مراد أحدهما أولى بالوقوع من مراد الآخر النّافي له وإلا لزم ترجيح الممكن من غير مرجح، الثاني إذا وقع مراد أحدهما دون الآخر فالذي وقع مراده كان قادرا والذي لم يقع مراده يكون عاجزا والعجز نقص والنقص يستحيل وجوده مع الإله. ولو فرضنا إلهين لكان كل واحد منهما قادرا على جميع المقدورات فيفضي إلى وقوع مقدور واحد من قادرين اثنين مستقلين من وجه واحد وهو محال لأن استناد الفعل إلى الفاعل إنما كان لإمكانه، فإذا كان كل واحد منهما مستقلا بالإيجاد فالفعل لكونه مع هذا يكون واجب الوقوع فيستحيل إسناده إلى هذا لكونه حاصلا منهما جميعا فيلزم استغناؤه عنهما واحتياجه لهما معا وذلك محال، وهذه حجة تامة في مسألة التوحيد. قال تعالى (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) الآية ٩١ من المؤمنين الآتية، وهذه وحدها كافية للاستدلال على عدم وجود إله غير الله الواحد لمن كان له قلب حي أو ألقى السمع الواعي، وسيأتي تمام البحث في هذه عند تفسير هذه الآية، قال الإمام فخر الدين الرازي: القول بوجود إلهين يفضي الى امتناع وقوع المقدور بواحد منهما، وإذا كان كذلك وجب أن لا يقع البتة وحينئذ يلزم وقوع الفساد قطعا.
أو تقول لو قدرنا وجود إلهين فإما أن يتفقا أو يختلفا، فإن اتفقا على الشيء الواحد فيكون مقدورا لهما ومراد لهما فيلزم وقوعه بهما وهو محال، وإن اختلفا فإما أن يقع المرادان أو لا يقعا أو يقع أحدهما دون الآخر والكل محال، فثبت أن الفساد