لازم على كل التقديرات. وأعلم رعاك الله ووفقك لهداه وأرشدك لمرماك إنك إذا وقفت على حقيقة هذه الدلائل عرفت أن جميع ما في هذا العالم العلوي والسفلي من المحدثات، والكائنات دليل على وحدانية الله تعالى عقلا، ولهذا وجبت معرفة الله تعالى بالعقل فضلا عن النقل، فكل من وهيه الله عقلا كاملا ولم يعترف بوجوب وجود الإله الواحد فهو كافر، ولهذا أول بعض المفسرين قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) الآية ١٥ من الإسراء في ج ١، بأن الرسول هنا معناه العقل ولكنا فئدنا هذا القول في تفسير هذه الآية فراجعها، وذلك لأن الدلائل السمعية على الوحدانية كثيرة في القرآن والسنة غنية عن البيان لأن القرآن كله طافح بها وأقوال المصطفى صائحة فيها، ومن قال إن معنى هذه الآية التي اشتهرت ببرهان التمانع لو كان في السماء والأرض آهة كما يقول عبدة الأوثان لزم فساد العالم لأن تلك الآلهة التي يقولون بها جمادات لا تقدر على تدبير شيء مما في هذا العالم فيلزم فساده غفل عن قوله تعالى (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً) الآية المتقدمة لا الآتية بأنها مسوقة للزجر عن عبادة الأوثان وإن لم تكن لها الألوهية التامة لأن العبادة إنما تليق لمن له ذلك. وبعد هذا الزجر أشار سبحانه إلى أن من له ما ذكر لا يكون إلا واحدا، تنبه، ولهذا نزه نفسه المقدسة بقوله «فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ» ٢٢ من الشرك والولد والصاحبة والمثيل وغيرها «لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ» في كونه لأنه متفرد فيه «وَهُمْ يُسْئَلُونَ» ٢٣ ما عداه من جميع الكائنات عما يقع منهم وهذا مما لا ريب فيه لأنا نرى بعض ملوك الأرض لا تسأل عما تفعل لأنهم نصوا في دستورهم المطبق على رعاياهم (ذات السلطان مقدسة وغير مسئولة) فكيف بملك الملوك حقيقة في الدنيا والآخرة لا مجارا ولا في الدنيا فقط. قال تعالى «أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً» استفهام إنكاري وتوبيخ للمشركين لأنه لمّا أبطل كون آلهة غيره بما مر أنكر عليهم اتخاذهم آلهة غيره فقال (أم اتخذوا) إلخ، وكلفهم الحجة على زعمهم فقال يا سيد الرسل «قُلْ» لهؤلاء الكفرة «هاتُوا بُرْهانَكُمْ» على وجود إله غير الله وإذا كنتم تحتجون بالكتب القديمة فهو كذب لأن «هذا» القرآن المنزل عليّ فيه «ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ» من أصحابي