وأخرج أبو داود والنسائي عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: لا يزال الله مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه. ولهذا أجمعت الفقهاء على أن وقوع ثلاث حركات متوالية من المصلي تبطل صلاته.
وقد حذر حضرة الرسول من العبث في الصلاة، فقد روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم مما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم! فاشتد قوله في ذلك، حتى قال لينتهينّ عن ذلك أو لتخطفنّ أبصارهم.
واعلم أن الخشوع هو جمع الهمة والإعراض عن سوى الله والتدبر فيما يجري على لسانه من القراءة والذكر، لأن من لا يتدبر القراءة لا يعرف معناها، ومن لم يعرف معناها لا يخشع لها، ومن لا يخشع لها فكأنه لم يقرأ. وأعلم أن المصلي إذا عرف نفسه أنه واقف بين يدي الله العظيم بالغ في الخشوع والخضوع والخوف، فقد ذكر البغوي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة، فقال لو خشع قلبه لخشعت جوارحه. وأخرج الحكيم الترمذي من طريق القاسم بن محمد عن أسماء بنت أبي بكر عن أم رومان والدة عائشة رضي الله عنها قالت: رآني أبو بكر أتميل في صلاتي فزجرني زجرة كدت أنصرف من صلاتي، ثم قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول إذا قام أحدكم في الصلاة فليسكن أطرافه لا يتميّل تميل اليهود، فإن سكون الأطراف في الصلاة من تمام الصلاة. ومن الخشوع عدم كفّ الثوب والتمطي والتثاؤب والتغطية للفم والسدل والفرقعة والتشبيك وتقليب ما يسجد عليه، ومهما أمكن أن لا يخطر في قلبه غير ما هو فيه، وان يتعلق بالآخرة، لأن الخشوع محله القلب ويظهر عدمه بحركات الجوارح وهو من السنن المؤكدة في الصلاة. وقال بعض العلماء بوجوبه وفرضيته. قال تعالى «وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ» هو كل كلام ساقط من هزل وشتم وكذب وما لا يعتد به من الكلام، والذي يصدر عن غير رويّة وفكر باطلا أو غير باطل. راجع ما بيناه في هذه في الآية ٧٢ من سورة الفرقان ج ١ وفي الآية ٦٧ من سورة الأنعام المارة، وله صلة في الآية ١١ من سورة النور في ج ٣، «مُعْرِضُونَ» ٣ في عامة أوقاتهم وفي الصلاة خاصة ليحصل لهم فيها الفعل والترك الشاقّين على النفس