اللذين هما قاعدتا التكليف وبناؤه «وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ» ٤ مداومون عليها محافظون على أوقاتها وأدائها، ولا محل للقول بأن الزكاة لم تفرض بعد، لأن السورة مكية وقد فرضت في المدينة، وإن القصد هنا هو تزكية النفس من الأفعال المشينة لها وأنها على حد قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) الآية من سورة الأعلى في ج ١، وقوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) الآية من سورة والشمس المارة في ج ١ أيضا لأن القرآن يفسر بعضه بعضا، ولا ينبغي العدول عن ظاهره وعن تفسير بعضه لبعض ما أمكن، وان معنى هذه الآيات على هذا هو فعل ما تزكى به النفس من المناقب واجتناب ما يشينها من المثالب كلها ليستوجبوا تزكية الله تعالى لهم وتطهيرهم من الذنوب والنقائص والعيوب، لأن المراد وصفهم بالزكاة المطلقة التي هي عبادة مالية، وقد ذكرنا غير مرة عند ذكر لفظ الزكاة أي القصد منها ما كان متعارفا عندهم إنفاته قبل الإسلام غير الزكاة المفروضة على هذه الأمة، لأن العرب كانت تزكي زكاة تلقتها عن أوائلهم، قال أمية بن الصلت:
المطعمون الطعام في السنة الأز ... مة والفاعلون المزكوات
ولم يرد عليه أحد، فلو لم تكن معروفة عندهم لردوا عليه لأنهم لا يسكتون إذا سمعوا غير الواقع، وتفسير ما نحن فيه بمعنى الآيتين المذكورتين آنفا بعيد، لأنهما ليستا مما نحن فيه، ولأن اقتران وصفهم بالصلاة التي هي عبادة بدنية ينادى على أن المراد وصفهم بأداء الزكاة التي هي عبادة مالية، وعليه يكون المعنى الفاعلون لأدائها لمستحقيها بأوقاتها عن طيب نفس طلبا لثوابها، وعلى هذا فلا يقال أيضا إن حضرة الرسول وأصحابه طيلة وجودهم في مكة لم يزكوا مع توالي نزول الآيات التي هي من هذا القبيل عليهم، بل كانوا يزكون، لأن الرسول كان فيما لم يؤمر به يجري فيه على طريقة إبراهيم عليه السلام وشريعته، وهل يمكن أن يقال لا زكاة في شريعة من الشرائع؟ كلا، ولكنهم كانوا يتصدقون بما يتيسر لهم من جهدهم، لأن أكثرهم فقراء معدمون، ولذلك لم يشتهر عنهم فعل الزكاة في مكة. هذا، ولفظ الزكاة يصرف على إنفاق المال حقيقة، وصرفها لغير هذا المعنى مجاز، ولا يعدل عن الحقيقة إلا إذا تعذرت، وهي غير متعذرة هنا. قال تعالى «وَالَّذِينَ