ما بعد ذلك، والبصير لا يخفى عليه شيء، وهو مبالغة من باصر، وهو من يدرك الأمور المحسوسة والمعقولة يبصره وبصيرته، ولما كان الله تعالى عالما بأحواله كلها فلا يجوز في حكمته إهماله، بل لا بد من إثابته على صالح عمله ومعاقبته على سيئه.
روى البخاري ومسلم عن عائشة كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وان النبي صلّى الله عليه وسلم قال من حوسب عذّب، قالت فقلت أو ليس يقول الله عز وجل (يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) قالت فقال ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب عذّب. قال تعالى «فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ» ١٦ الحمرة التي تبقى بالأفق بعد غروب الشمس وتظهر قبل طلوعها بعد البياض «وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ» ١٧ جمع وضمّ ما كان منتشرا في النهار من الناس والدواب والهوام والحيتان والطير، لأن ما كان طوره الانتشار في النهار، قد يجتمع في الليل، وبالعكس فإن ما كان منضما بالنهار قد ينتشر بالليل، ويقال طعام موسوق أي مجموع ومستوسقة مجتمعة، قال الشاعر:
إن لنا قلائصا حقائقا ... مستوسقات لم يجدن سائقا
ويأتي وسق بمعنى عمل أي وما عمل فيه وعليه قوله:
فيوما ترانا صالحين وتارة ... تقوم بنا كالواسق المتلبّب
وما جاء بأن يحور بمعنى يرجع قوله:
وما المرء إلا كالشهاب ووضوءه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
والشفق مأخوذ من الرقة يقال شيء شفق أي لا يتماسك لوقته، ومنه أشفق عليه خاف عليه ورق له، والشفقة من الإشفاق والشفق، قال الشاعر:
والوسق في العرف ستون صاعا أو حمل بعير، وهذا مما يدل على أن الصاع المستعمل الآن في بعض البلاد غيره قبلا، لأن ستين منه الآن لا يحملها جملان، راجع الآية ١٤١ من سورة الأنعام المارة تعلم تفصيل هذا، ويأتي وسق بمعنى طرد أي وما أطرده إلى أماكنه من الدواب وغيرها، ومن ضوء النهار، ومنه الوسيقة قال في القاموس وهي من الإبل كالرفقة من الناس، فإذا سرقت طردت معا،