ولا حاجة هنا لتقدير لفظ (رب) أي أقسم برب الشفق كما قاله بعض المفسرين، لأن الله تعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه جمادا كان أو ناميا، وحكم لا في هذا القسم حكمها في (لا أقسم بيوم القيامة) المارة في ج ١ فراجعها. قال تعالى «وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ» ١٨ ثمّ نوره وجمع وكملت استدارته فصار بدرا «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ» ١٩ أي لتداولنّ أيها الناس في حياتكم ومماتكم حالا بعد حال مماثلة ومطابقة وموافقة لأحتها في الشدة والهول، قال الأعرج بن جابس:
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره ... وساقي طبق منه إلى طبق
وقد تأتي عن التي معناها المجاوزة بمعنى بعد كما في قولهم: سادرك كابرا عن كابر، أي بعد كابر، وعليه قوله:
ما زلت أقطع منها منهلا عن منهل ... حتى أنخت بباب عبد الواحد
لأن المجاوزة والبعد متقاربان، واللام في لتركبن واقعة في جواب القسم، وجاء لفظ الطبق بمعنى عشرين عاما أخرج نعيم بن حماد وأبو نعيم عن مكحول أنه قال في الآية تكونون في كل عشرين سنة على حال لم تكونوا على مثلها، أي قبلها.
وفي رواية ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في كل عشرين عاما تحدثون أمرا لم تكونوا عليه، وعلى هذا المعنى ما جاء في القاموس من جملة معاني الطبق، ويأتي بمعنى القرآن، قال العباس بن عبد المطلب يمدح حضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم:
وأنت لما ولدت أشرقت ... الأرض وضاء بنورك الأفق
تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق
وعليه يكون المعنى لتركبن سنن من قبلكم قرنا بعد قرن، إلا أن هذين المعنيين الآخرين خلاف الظاهر، والمعول على الأول، وهو ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، وما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: لتتبعنّ سنن الذين من قبلكم وأحوالهم شبرا بعد شبر وذراعا بعد ذراع حتى لو دخلوا جحرضب لتبعتموهم. قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟
قال فمن؟ أي فمن دونهم أو من قبلهم أو هم أنفسهم، وهو حديث صحيح ولكن لا يراد أنه جاء مفسرا لهذه الآية، تدبر ومن خصّ هذا الخطاب لسيد المخاطبين