وحثا لهم على الإخلاص لحضرته، لأنه هو وحده المتفضل بها عليهم، فقال جل قوله «وَمِنْ آياتِهِ» الدالة على عظيم قدرته وبالغ حكمته «أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ» عباده بالغيث «وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ» ثمر الخصب المتسبب عنه «وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ» بسبب تلك الرياح، فتصلوا إلى مقاصدكم من البلاد والقرى والبوادي وغيرها «وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ» الأرباح في زروعكم وأثماركم وتجاراتكم برا وبحرا «وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» ٤٦ نعمه المتوالية عليكم. قال تعالىَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ»
كما أرسلناك إلى هؤلاء، أي الموجودين على ظهر الأرضَ جاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ»
على صدقهم كما جئتهم به أنت وكذبوهم كما كذبوكَ انْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا»
منهم وأنجينا المؤمنينَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ»
٤٧ بنا.
واعلم أن في الآية ١٠٣ من سورة يونس المارة والآيتين ١٧١ و ١٧٢ من سورة الصافات المارة أيضا والآية ٢١ من المجادلة الآتية في ج ٣، وفي هذه الآية بشارة عظيمة لحضرة المصطفى صلّى الله عليه وسلم بالظفر والنصر على أعدائه، وفيها كفالة وعهد من الله تعالى على نفسه المقدسة بنصر المؤمنين وهو الموفي بعهده ووعده، القائم بكفالته، الصادق بما يخبر، وقد وفّى لرسوله ما تعهد به له ولأصحابه، وهذا الوعد عام لكل مؤمن ومؤمنة مستمر إلى يوم القيامة، وفيه أيضا وفي الحساب والقضاء، ولكن الناس لم يكونوا مؤمنين موقنين بالمعنى الذي يريده الله منهم كما كان عليه محمد وأصحابه، ولو كانوا كذلك ما سلب منهم نعمة الملك، ولم يسلط عليهم عدوهم ولجاءهم النصر من حيث لا يشعرون، وسخر لهم كل شيء، ولكن أين الإيمان وأين الإسلام كل منهما رسم بلا جسم، ومسمى بلا اسم، ودعوى بلا برهان، وقول بلا بيان، نعم انهم مسجلون رسميا مسلمين، وأعمالهم أعمال الكافرين، لا تراحم ولا توادد بينهم، ولا صلاة ولا صوم ولا حج ولا زكاة ولا صدقة بالمعنى الذي يريده الله منهم، ولكنهم زناة شربة خمر قذفة للمحصنات كذبة همّازون لمأزون محتالون شهداء زور وبهتة مغترون، فأنى ينظر الله إليهم، جاء في الحديث الشريف عن النبي صلّى الله عليه وسلم: لازلتم منصورين، ما دمتم متبعين سنتي فمتى اختلفتم سلط عليكم عدوكم،