فإذا كان هذا جزاء ترك السنن فما بالك بالفرائض، وما بالك بارتكاب المحرمات، وما بالك بالتجاهر بالشرب واللعب واللواطة بلا خوف من الله ولا حياء من الناس، وإني أخشى أن يكونوا قد صاروا حثالة بالمعنى الوارد في قوله صلّى الله عليه وسلم يذهب الصالحون أسلافا الأول فالأول، حتى لا يبقى من الناس إلا حثالة كحثالة الثمر والشجر لا يبالي الله بهم. رحماك ربي عاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بما نحن أهله يا أهل التقوى وأهل المغفرة. ومما يدل على أن هذا الوارد في الآيتين المذكورتين نصر مستمر في الدنيا والآخرة ما رواه أبو الدرداء قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حتما على الله أن يرد عنه نار جهنم، ثم تلا هذه الآية، وأخرجه الترمذي بلفظ آخر بمعناه. قال تعالى «اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ» مسيرة يوم وأيام وأقل وأكثر خفيفا أو كثيفا «وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً» قطعا متفرقة أو يضم بعضه لبعض «فَتَرَى الْوَدْقَ» المطر «يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ» من فرجه ووسطه «فَإِذا أَصابَ بِهِ» بذلك الغيب «مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ» ٤٨ به لما يدره عليهم وعلى أنعامهم ودوابهم من الخيرات «وَإِنْ كانُوا» أولئك العباد «مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ» ذلك الغيث «مِنْ قَبْلِهِ» كرره تأكيدا للدلالة على بعد عهدهم به والأحسن عود هذا الضمير إلى الرياح، فيكون المعنى من قبل أن ينزل عليهم من قبل إرسال الرياح «لَمُبْلِسِينَ» ٤٩ قانطين آيسين، لأنه بعد إرسال الرياح يعرف الخبير أن الريح فيها مطر أو ليس فيها، فإذا هبت الرياح قبل المطر لا يكون مبلسا بل يكون راجيا برؤية هيئة السحاب وهبوب الرياح «فَانْظُرْ» يا من يتأتي منك النظر «إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ» وحسن تأثيرها في الأرض وفي قلوب الناس «كَيْفَ يُحْيِ» الإله القادر الرؤوف بخلقه «الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» بالنبات والأزهار والثمار «إِنَّ ذلِكَ» الإحياء للأرض بعد يبسها الذي هو بمثابة الموت لها وإحياء نباتها بعد جفافه بالمطر من قبل الله القادر على ذلك فإنه ولا ريب «لَمُحْيِ الْمَوْتى» كما أحيا الأرض الميتة «وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ٥٠ لا يعجزه شيء،