وذلك لعلهم أنه لا يكشف الشدائد غيره، وفي هذه الآية تهكّم بالكفرة المشركين أهل البغي والفساد، وتقريع بهم، لأنهم لا يستمرون على حالتهم هذه «فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ» وأمنوا من الغرق «إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ» ٦٥ بالله غيره كعادتهم الأولى، ونسوا الضيق الذي حل بهم والذي نجاهم منه، وذلك أن الجاهلية كانوا إذا ركبوا البحر استصحبوا أصنامهم، فإذا اشتد الريح ألقوها في البحر وقالوا يا ربنا يا ربنا، قال تعالى قوله «لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ» من نعمة الإجابة والإنجاء «وَلِيَتَمَتَّعُوا» في دنياهم هذه، وليغفلوا عن الآخرة دار البقاء «فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» ٦٦ عاقبة ذلك حين يعاقون إذ يتدمون من حيث لات مندم. واللام في الموضعين لام كي، أي يشركون بالله ليكونوا كافرين نعمته، فليتمتعوا في هذه الدنيا قليلا فإن مرجعهم إلينا، راجع الآية ٦٨ من الإسراء ج ١، وهذه الجملة الأخيرة مؤذنة بالتهديد والوعيد لأولئك الكفرة سبب جحودهم نعمة انجائهم ورجوعهم إلى شركهم. قال تعالى «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا» بلدهم مكة دون سائر البلاد «حَرَماً آمِناً» أهله مما يخاف الناس من السلب والسبي والقتل، وقد حرم فيه ما لم يحرم بغيره من البلدان، حتى شمل منه الطير والوحش والدواب. أخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: إن أهل مكة قالوا يا محمد ما يمنعنا أن ندخل في دينك إلا مخافة أن يتخطفنا الناس لقلتنا وكثرة العرب، فمنى بلغهم أنا قد دخلنا في
دينك اختطفتنا فكلنا أكلة رأس، فأنزل الله هذه الآية تطمنّهم بالأمن مما يخافون دون غيرهم إكراما لرسولهم محمد وإجابة لدعوة جده إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، كما سيأتي في الآية ١٣٦ من البقرة ج ٣، وقد مر شيء منه في الآية ٣٦ من سورة إبراهيم فراجعها «وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ» يختلسون اختلاسا أنفسهم وأموالهم وأولادهم وأزواجهم وأنعامهم ودوابهم، لأن النفار كان متحكما بينهم، فقل لهم يا سيد الرسل «أَفَبِالْباطِلِ» من الأصنام وغيرها «يُؤْمِنُونَ» بعد ظهور نعمة الحق الذي لا ريب فيه «وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ» التي أنعمها عليهم في هذا الدين الصحيح والرسول الصادق والكتاب المبين لكل شيء «يَكْفُرُونَ» ٦٧ مع أن ذلك مستوجب