للشكر ما بالهم عموا عن الرشد والهدى، وجنحوا إلى الضلال والردى. وتقديم الصلة في الموضعين في هذه الآية للاهتمام بها، لأنها مصبّ الأفكار، أو للاختصاص على طريق المبالغة، لأن الإيمان إذا لم يكن خالصا لا يعتد به، ولأن كفران غير نعمة الله عز وجل بجنب كفران نعمته لا يعد شيئا. وقرىء الفعلان بالتاء على الخطاب، كما قرىء بالغيبة. قال تعالى «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً» فزعم أن له شريكا «أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ» القران المنزل من لدنه «لَمَّا جاءَهُ» على يد رسوله صلّى الله عليه وسلم، أي لا أظلم من هذا أحد البتة، ولهذا عقبه بقوله «أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ» ٦٨ أمثال هؤلاء بل فيها منازل كثيرة تنتظرهم وتتميّز عليهم غيظا وحنقا. تشير هذه الآية إلى تقرير مثواهم وإقامتهم، فيها، لأن الاستفهام فيه معنى النفي وهو داخل على المنفي ونفي النفي إثبات، وعليه قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
والمعنى ألا يستوجبون هذا الثواء، وقد افتروا ذلك الافتراء على الله تعالى، وكذبوا بالحق مثل ذلك التكذيب، بلى والله هم أهل له ولا شرّ منه. قال تعالى «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا» في شأننا ومن أجلنا وخالصا لوجهنا «لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» الدالة على الخير والبر الموصلة إلى الرشد والهدى في الدنيا المؤدية إلى الجنة في الآخرة «وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ» ٦٩ بالنصر والمعونة والظفر في الدنيا والثواب والمغفرة والرحمة في الآخرة. وقد ختمت سورة النحل فقط بما ختمت به هذه السورة. وتشير هذه الآية إلى أن الله تعالى يريد أن يأمر رسوله بمجاهدة الكفار الذين لم ينزعوا عن شركهم وتكذيبه وجحد كتابه، لأنه إنما أمره بالهجرة عن دارهم لعدم تأثير العطف عليهم بهم، وان الرحمة التي عاملهم بها واللين والعطف لم يزدهم إلا عتوا وعنادا، ولم يزدهم التهديد والوعيد إلا استهزاء وسخرية ومكابرة في البغي والطغيان والعدوان، ولهذا قدم في هذه الآية الجليلة التمهيدات اللازمة لإنزال العقاب فيهم وتعجيل ما استبطئوه من العذاب الذي يطالبون به، وكانوا يوقنون عدم وجود عقاب أو عذاب كما يتيقنون عدم وجود بعث ولا حساب ولا جزاء، فاستحقوا جزاء معاملتهم بالقسوة والشدة، وآن وقت قسرهم على الإيمان