قالوا يا محمد سل ربك أن ينزل عليك كتابا من السماء جملة واحدة كما أنزل التوراة على موسى، واختار هذا القول الفخر الرازي، وقال إنه الأصح، لأن المخاطب به في هذه السورة هم اليهود، والإضافة إلى ما في نفس الأمر دون الإقرار، ولأن المؤمن بالرسول لا يكاد يسأل ما يكون مستبدلا به الكفر بالإيمان، وهو وجيه، لأن النبي أول وصوله المدينة أراد منهم الإيمان به، فجدير أن يطلبوا منه آية، إلا أنه سبق قبلها الخطاب للمؤمنين إذ صدر الآية المارة بقوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا» إلخ ولم يأت بعدها ذكر لليهود، وقال بعضهم وهو قول ابن عباس إن أهل مكة سألوا محمدا أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن بوسع عليهم أرض مكة ويفجر فيها الأنهار فنزلت، وهذا قد فات محله في سورة الفرقان في الآيتين ٦٠ فما بعدها من سورة الإسراء في ج ١، لأن الحادثة مكية، وقد نزلت فيها الآيات بمكة، وهذه السورة مدنية، فلا يتجه شيء من هذه الأسباب لنزول هذه الآية، وقد ذكرنا في بحث النزول في المقدمة أن من القرآن ما ينزل بسبب ومنه ما ينزل بلا سبب، ولعل هذه الآية من القسم الثاني وهو الأوجه والله أعلم. على أن كلا من هذه الحالات الثلاث قد تكون الآية جوابا للسؤال عنها، لكن لا أنها سبب لنزولها، تدبر. ولم يقل جل قوله كما سأل أمة موسى إشارة إلى أن من سأل عن ذلك يصان اللسان عن ذكره وهذا أحد أسباب مجهولية الفاعل السبعة وهي الجهالة والخوف منه وعليه وتعظيمه وتحقيره والعلم به وصون اللسان عن ذكره. هذا، واعلم- والله أعلم- أن القصد من ذكر هذه الآية بعد آية النسخ تثبيت المسلمين على الأخذ بآيات الله وتنبيههم بعدم الإقدام على أسئلة كأسئلة اليهود وتحذيرهم منها وتوصيتهم بالثقة بها. قال تعالى «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ» أيها المؤمنون «كُفَّاراً» لتكونوا مثلهم «حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ» لا لأمر آخر وذلك «مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ» في التوراة والآيات المنزلة على نبيكم الموافقة لها المؤيدة لحكمها «فَاعْفُوا» عنهم لا تجادلوهم «وَاصْفَحُوا» عن إساءتهم لا تخاصموهم واصبروا عليهم «حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ» في جواز قتالهم «إِنَّ اللَّهَ عَلى