لا يعجزه شيء، وفي هذه الجملة إشارة إلى التهديد بالانتقام منهم ووعد للمؤمنين بالنصر عليهم. وما قيل إن هذه الآية منسوخة بآية السيف لا يستقيم، لأن الأمر فيها موقت بالغاية الدالة عليه «حَتَّى» وإذ كانت الغاية غير معلومة فتكون آية السيف بيانا لها، وما قاله الطيّبي بأن النسخ بما جاء في التوراة والإنجيل من ذكر محمد فيكون انتهاء المدة بإرساله لقوله تعالى «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ» الآية ١٠٧ من سورة الأعراف في ج ١ لا يتجه أيضا، لأن غاية ما فيها البشارة بشرع محمد صلّى الله عليه وسلم وإيجاب الرجوع إليه، وهذا لا يوجب توقيت الأحكام ولا يقتضي النسخ. وهذه الآية حاكية حال أهل الكتاب منبهة على التحذير من الإصغاء إليهم والأمر بعدم عقوبتهم على ذلك القول الذي هو من أعظم الذنوب، لأن الرضاء بالكفر كفر، فكيف بمحاولة ردّ المؤمن إلى الكفر، لأن معنى العفو ترك العقوبة على الذنب وعدم تثريبهم عليه أيضا، ولأن معنى الصفح ترك التأنيب وهو أبلغ من العفو، لأن الإنسان قد يعفو ولا يصفح. وما قيل إنها نزلت في أحبار اليهود أو نفر منهم حينما قالوا للمسلمين أو لحذيفة بن اليمان وعمار بن
ياسر بعد وقعة أحد لو كنتم على الحق ما هربتم فارجعا إلى ديننا فنحن أهدى سبيلا منكم، فقال عمار وكيف نقض العهد فيكم؟ قالوا شديد، قال إني عاهدت أن لا أكفر بمحمد ما عشت، قالت اليهود أما هذا فقد صبا، وقال حذيفة أما أنا فقد رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا، ثم إنهما أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخبراه بذلك، فقال قد أصبتما الخير وأفلحتما وما استدل به صاحب هذا القيل بما رواه الواحدي عن ابن عباس فليس بشيء، ولم يوقف على صحته ولا على سنده، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه لم يوجد في شيء من كتب الحديث. قال تعالى «وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ» أيها المؤمنون ولا تلتفتوا لأقوالهم فهو أقوى لكم ولا بأفعالهم فهي أفعى لكم «وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ» ولو بكلمة طيبة أو إماطة أذى ما عن الطريق أو إسقاء الماء على الماء، وفي هذا تأكيد للعفو والصفح