للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى «سَيَقُولُ السُّفَهاءُ» الجهلة خفيفو العقول قليلو الروية «مِنَ النَّاسِ» بعد نزول آية تحويل القبلة «ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها» عند مجيئهم إلى المدينة، وأي شيء صرفهم عنها وهي قبلة جميع الأنبياء؟

«قُلْ» يا سيد الرسل لهؤلاء المعترضين «لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ» وما بينهما فما كان منها قبلة كان بجعل الله تعالى، وهو الذي «يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ١٤٢» ومن هذه الهداية التوجه إلى الكعبة بعد البيت المقدس لأنها قبلة إبراهيم عليه السلام. وسبب نزول هذه الآية على ما رواه البخاري عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة صلّى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله تعالى (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) إلى آخر الآيات. وفي رواية أبي اسحق وعبد بن حميد وأبي حاتم عنه بزيادة، فأنزل الله تعالى (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) إلخ الآيات، وهذا أليق بالمقام، وفيه ردّ لقول القائل إن قوله تعالى (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) متقدمة في التلاوة متأخرة في النزول عن قوله (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) إلخ، على أنه لا مانع من القول بنزولها قبلها لأنها جاءت بلفظ الاستقبال، فهي من قبيل الإخبار بالشيء قبل وقوعه كسائر المغيبات التي أخبر الله تعالى بها رسوله قبل نزولها، وإنما غاظ اليهود تحويل القبلة وأزعجهم جدا لأنهم يرون ذلك قصدا لمخالفتهم، حتى أنهم عمدوا إلى تخريب مسجد الرسول وحرضوا بعض الناس على تخريب الكعبة الشريفة، كما ألمعنا إليه في الآية ١١٤ المارة، إذ كان نزولها وقت الأمر بتحويل الكعبة، وقد أخبر الله تعالى في هذه الآية عما صاروا يقولونه بينهم من أجل ذلك، وقد ذكرنا بعض هذا في الآية ١١٥ المارة، لأن حضرة الرسول منذ دخل المدينة كان يحب التوجه إلى الكعبة، ولكنه لم يستبد بشيء يريده، إلا أن يقترن بأمر الله وإرادته، وكان في استقباله لبيت المقدس قرب لاستمالة اليهود إلى الإيمان به وتصديقه، لأن وصفه مذكور في كتابهم وعضّده التوجه لقبلتهم، ولكنه لم يزدهم ذلك إلا إنكارا وتعنّتا وحسدا وعنادا، فلما أمره الله بالتوجه للكعبة صاروا يتقولون بما تسوّله لهم أنفسهم الخبيثة من أن محمدا ما ترك

<<  <  ج: ص:  >  >>