من سورة النساء الآتية. «تِلْكَ» الأحكام المارة الذكر هي «حُدُودَ اللَّهِ» الواجب عليكم أيها المؤمنون الوقوف عندها «فَلا تَعْتَدُوها» وتعرضوا أنفسكم للشقاق والخصومة في الدنيا والعقاب والعذاب في الآخرة، ولهذا يهددكم ربكم بقوله جل قوله «وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ» التي حدها لعباده «فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ٢٢٩» أنفسهم بما يحيق بهم من النزاع والنفرة في الدنيا، والجزاء في العقبى لتجاوزهم على الله ذاته بعدم اتباعهم أوامره، ومن أظلم ممن يتجاوز عليه.
نزلت هذه الآية في جميلة بنت عبد الله بن أبي أوفى أو في حبيبة بنت سهل الأنصاري كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وكانت تبغضه وهو يحبها، فشكت لأبيها بأنه يضربها ويشتمها، فقال ارجعي إلى زوجك فإني أكره أن تشكو المرأة زوجها، قالت فرجعت المرة بعد الأخرى وأبوها لا يسمع لها، فذهبت إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وذكرت له ذلك، وقالت يا رسول الله لا أنا ولا هو، فأرسل إليه وسأله، فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا ما على وجه الأرض أحب إلي منها غيرك، فقال لها ما تقولين؟ فكرهت أن تكذب، فقالت صدق وهو أكرم الناس حبا لزوجته، وما كنت أحدثك حديثا ينزل عليك خلافه، وإني أبغضه، فسأله فقال أعطيتها حديقة نخل، فقال لها تردين عليه حديقته وتملكين أمرك؟ قالت نعم، فرضي وطلقها. وروى البخاري عن ابن عباس ما يؤيد هذا وإنما أمرها بإعادة المهر لأن القصور كله منها، وكان هذا متعارفا في الجاهلية، ومعمول به في الإسلام حتى الآن عند عرب البادية بلا نكير. وعليه العمل بالمحاكم الشرعية أيضا أما إذا كان القصور من الجهتين فلا ينبغي أن يعاذ كل المهر بل بعضه ولا يجوز أخذ الكل إلا إذا كان كلّه منها وبطلبها التفريق كما في هذه القضية، لأنه مغبون مظلوم، ولذلك قال لها صلّى الله عليه وسلم تردّين عليه حديقته، ولهذا فإذا كان هو الذي لا يريدها فلا يجوز له أخذ شيء منه أصلا كما سيأتي في الآية ٢١ من سورة النساء أيضا لما فيه من الوعيد والتهديد. ومع هذا إذا احتمل الزوج سوء خلق زوجته وهي كذلك فهو أولى وأثوب ولهما الأجر العظيم عند الله تعالى، لأن أبغض الحلال إلى الله الطلاق كما جاء في الحديث الشريف الذي أخرجه أبو داوود عن ابن عمر،