أين داود، قالت هو ذاك على التخت، فجرد سيفه وضربه تلقاء رقبته فانشق الزق وفاح ريح الخمر، فقال رحمه الله ما أكثر شربه للخمر وخرج، فلما أصبح عرف أنه لم يفعل شيئا فخاف منه أن يأخذ بثأره فأكثر حرسه وحجابه وأحكم غلق أبوابه، وتوارى داود عن الأنظار حتى سنحت له فرصة تمكن معها من الدخول على طالوت ليلا فوضع سهما عند رأسه وسهما عند رجليه وخرج، فلما أفاق ورأى ما رأى هاله ذلك وعرف أنه لو أراد قتله لقتله فقال رحم الله داود هو أرحم مني ظفر بي فكف عني وظفرت به فأردت قتله فهو خير مني، ثم شدد على حجابه وحرسه وأحكم أبوابه، فدخل عليه ثانيا وأخذ كوزه الذي يشرب به وقطع شعرات من لحيته وشيئا من طرف ثوبه وتركه وخرج، فلما أفاق ورأى ذلك تحير من أمره وعرف أنه لا يقدر على الاحتراز منه فسلط العيون عليه وأمر شرطته بطلبه وصار يتعقبه بنفسه فأدركه يوما بالبرية يلحقه فدخل غارا فتبعه فلم يجده وصار هو وجنوده يتحرونه فلم يجده ورأى العنكبوت معشعشا على الغار الذي اختبأ به، وهذه معجزة له تضاهي معجزة محمد صلّى الله عليه وسلم لأنه أعطي معجزات الأنبياء كلهم فقالوا لو دخله لتخرق، ثم إن العلماء والعباد طعنوا على طالوت بملاحقة داود فقتل منهم خلقا كثيرا ليرتدع الباقون عن لومه فلم ينجع بهم ثمّ أتي بامرأة تعلم الاسم الأعظم فأمر خبازه بقتلها لأنها لم تعلمه به وقد تحقق أنها تعرف مكانه بسبب معرفتها الاسم الأعظم
فرحمها الخباز ولم يقتلها وأمرها بالتواري عن الأنظار وقال في نفسه لعلنا نحتاج إليها، ثم. أوقع الله الندم في قلب طالوت على ما وقع منه فاختلى عن الناس وطفق يحاسب نفسه على ما فعل بداود والعلماء والعباد وصار يبكي حتى رحمه الناس من كثرة بكائه وصار يذهب إلى المقابر فيسمع منها صوتا لا تؤذينا أمواتا كما أذيتنا أحياء، فازداد همه وحزنه وبكاؤه وصار يصيح ويقول من يعلم لي توبة أتوبها فيسمح الله لي ما فعلته، فقال له خبازه إن دللتك على عالم يقبل توبتك قتلته؟ قال لا والله فدله على الامرأة فذهب إليها وكانت مرابطة على قبر أشمويل عليه السلام الذي مات بعد قتل جالوت، فقالت يا صاحب القبر قم باسم الله الأعظم وذكرته فقام من قبره ينفض عن رأسه التراب وخرج فقال ما فعلت من بعدي يا طالوت لا تقبل