«تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ» السيما والسمة والسميا بمعنى العلامة وهي ما يظهر على وجه الإنسان من الاصفرار بسبب الجوع، وما يرى من ثيابهم الخلقة، وتلبسهم بالخضوع والخشوع لله، كل هذا مما ينم عن شدة حاجتهم مما يغني اللبيب عن احتياجهم لسؤاله، بل يتفرس فيهم ويعطيهم كفايتهم، فهم أكثر أجرا من غيرهم «لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً» إلحاحا فيكررون الطلب المرة بعد المرة، ولا يبارحون المحل حتى يأخذوا منه، ومنهم من يغلظ القول عند عدم الإعطاء، كسؤال زماننا لهذا عليكم أن تفعلوا الخير ما استطعتم معهم «وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣) » تفيد هذه الآية عدم الميل إلى التصدق إلى المؤمن فقط، إذ يجوز أن يعطيها لذوي الحاجة من غير المؤمنين، لأن الخير للخيّر أن يتحرى بصدقته الأحوج إلا عند التساوي يرجح المؤمن، كما أنه يرجح الطائع على العاصي والقريب على البعيد. لما نزلت هذه الآية بعث عبد الرحمن بن عوف بدنانير كثيرة لأهل الصفة لأنها نزلت فيهم، وكانوا أربعمائة رجل لا مال لهم ولا مأوى ولا قرابة يأوون إليهم، وإنما ركنوا إلى المسجد يتلون القرآن ويخرجون مع كل سر للجهاد في سبيل الله، لذلك حث الله عباده للإنفاق عليهم ومواساتهم، لأنهم كانوا مع فقرهم لا يظهرون للناس بصفة المعدمين مع ظهور علامة الفقر عليهم، وهذا من غنى القلب. واعلم أن هذه الآية توعز بحرمة السؤال في غير الضرورة له قال صلّى الله عليه وسلم المسألة لا تحل إلا لثلاث: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لأنه دم موجع. وقد بينا آنفا أن الصدقة تعطى للمسلم وغيره من ذوي الحاجة ونعني بها صدقة التطوع، أما صدقة الزكاة المفروضة فقد أجمع العلماء على صرفها للمسلمين من الأصناف الثمانية خاصة لقوله صلّى الله عليه وسلم أمرت أن آخذ الصدقة من أغنياء وأردها على فقرائكم، لأن تخصيص الأخذ في هذا الحديث من الأغنياء يخصصه الزكاة المفروضة، لأن غيرها تكون من الغني وغيره من كل من عنده فضل حوائجه ولو لم تجب عليه الزكاة. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال:
رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليس الغني عن كثرة العرض ولكن الغني غنى النفس. ورويا الحسن: ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين