الذي لا يجد غناء يغنيه ولا يفطن به فيتصدق عليه ولا يقوم لمسألته الناس. فأمثال هؤلاء يجب أن يتصدق عليهم لأنهم مع عوزهم لا يطلبون من الناس، لا سؤال زماننا الذين لولا قول الله تعالى (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) وقوله صلّى الله عليه وسلم: لو صدق السائل ما أفلح من رده. لما أعطينا أحدا منهم لقمة، لأنا بعد اطلاعنا على أحوال بعضهم وتيقننا من غناهم ووجوب الزكاة عليهم صرنا نشك في كل سائل، ولكن قال صلّى الله عليه وسلم اعطوا السائل ولو جاء على فرس، وما علينا إلا الامتثال، وإلا لأفتينا بعدم جواز التصدق على من لم يتحقق فقره، لأن فيه إعانتهم على الكسل والمعصية، لأن من عنده وجبة يوم يحرم عليه السؤال، فكيف بمن عنده قوت سنة، ومن يسأل وببيع ما يحصله بالسؤال، ومن يتجر ويرابي، فقد اختلف علينا الأمر ولم نقدر نفرق بين المحتاج وغيره، ولم نتبين لنا من اتخذ السؤال حرفة ممن هو محتاج إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. سمع عمر رضي الله عنه سائلا يسأل بعد المغرب، فقال لواحد من قومه عش الرجل فعشاه، ثم سمعه ثانيا يسأل، فقال ألم أقل لك عش الرجل؟ قال قد عشيته، فنظر عمر فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبزا، قال له لست سائلا ولكنك تاجر، ثم أخذ المخلاة ونثرها بين يدي إبل الصدقة، وضربه بالدرة. ولهذا صار بشك في أحوال السؤال وصاروا يعملون لهم محالا للأكل والشرب والنوم قطعا لمادة السؤال. هذا ومن أعمال الوليد الممدوحة أنه فرض للمجذومين نفقة خاصة كي لا يسألوا، وعين لكل أعمى قائدا، ولكل مقعد خادما، ونفقة لحفظة القرآن، وبنى دورا للضيافة. روى البخاري ومسلم عن ابن الزبير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها خير له من أن يسأل الناس أعطوه أم منعوه.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من سأل الناس وله ما يغنيه (عن المسألة) جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خدوش أو خموش أو كدوح، قيل يا رسول الله ما يغنيه؟ قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب- أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي-. وروى مسلم عن أبي هريرة قال: من سأل الناس تكثرا فإنما سأل جمرا فليستقل أو ليستكثر. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: