لأمره خاطب الشهود بقوله عز قوله «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ» إذا دعيتم إليها لأنها أمانة فى أعناقكم وفي كتمانها إبطال الحق وضياع المعروف، ولهذا بالغ في الوعيد والتهديد على كتمانها فقال «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» مخطئ فاجر، وأضاف الإثم إلى القلب لأن كل أمر أول ما يحدث يحدث في القلب ثم ينطق به اللسان أو تنفذه الجوارح إلا من عصم الله، لأن القلب رئيس الأعضاء إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله- كما في الحديث الذي رواه النعمان بن بشير عن البخاري- ولذلك فإن إثمه أعظم الآثام، قال ابن عباس أكبر الكبائر الإشراك بالله وشهادة الزور وكتمان الشهادة. وقال لما حرم الله الربا أباح السلف وقال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى (أياما أو شهورا أو سنين) قد أحله الله تعالى في كتابه وأدن فيه، وهذا سبب نزول هذه الآية، وله شروط معلومة في كتب الفقه يجب التقيد بها لصحة عقده ولئلا يدخله الربا. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون من التمر العام والعامين، فقال لهم من أسلف في تمر ففي كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣) » لا يعزب عنه شيء من أعمالكم. وتومئ هذه الآية إلى تحذير من يكتم الشهادة ولم يؤد ما ائتمن عليه، وان المراد بإثم القلب مسخه والعياذ بالله، ومن هنا قيل: ما أوعد الله على شيء كإبعاده على كتم الشهادة، فانظر رحمك الله ما أعجب نظم هذه الآيات في تنظيم الإدارة الإنسانية، لأن عدم المضارة المذكورة من الطرفين والكاتب والشهود جزء من أجزاء الإدارة اللازمة للبشر، ومع هذا فإن الله جل جلاله قد بالغ في التأكيد على القيام بها بالعدل والتشديد على من يخرم شيئا منها، وقد كرر لفظ التقوى فيها لأنها تقي الإنسان من الوقوع فيما لا يرضي الله، لأنه قد يفرط في أمور يظنها من التقوى وليست منها، وقد يتسامح في أمور يظنها من التقوى وليست منها أيضا، بل قد تؤدي لما يحذر منه كمن يعطي ماله لسفيه أو يدين غيره بلا سند ولا شهود مع القدرة عليها، إذ ليس من الدين تفريط المرء في حفظ ماله إذ يعرضه لضياعه ومن ترك أمرا من أمور الدين أحوجه الله إليه، ولهذا أوجب الشارع الحجر