على الإنسان في الأحوال المارة الذكر في الآية السابقة، لأن الدين يأمر باتخاذ الوسائل لصيانة المال كما يأمره باتخاذها لصيانة النفس، ولهذا وضع الله تعالى أسسا للتعامل لانتظام معاملة الناس فالتوثق بها خير ضمان لمصلحة العامة. والحكم الشرعي في المداينات ما ذكرناه في تضاعيف تفسير الآيتين المارتين، ويفهم منها أن تصرف السفيه والمجنون وغير كامل التمييز غير مقبول شرعا، وأن إقرار الولي والوصي والقيم يعتبر عمن هو تحت الولاية والوصاية، لأنه محجور شرعا عن التصرف بماله ولا تعتبر عقوده، لأنه بحكم القاصر، ويعلم قوله تعالى (مِنْ رِجالِكُمْ) اشتراط كون الشاهد في الحقوق مسلما على مثله والكافر على مثله، بخلاف الجنايات فإنها تقبل فيها شهادة غير المسلم على المسلم، وقد رجم صلّى الله عليه وسلم يهوديا بشهادة يهود عليه في الزنى، وأن يكون العاقد حرا لأن العبد لا يملك عقود المداينات، وترمي إلى أن لا يكتفى بشاهد واحد، أما ما جاء بالاكتفاء بشاهد ويمين فهو مما لم يذكره الله تعالى في كتابه، ولهذا قال (وَامْرَأَتانِ) أي في حال عدم وجود رجلين، وقال بالائتمان عند عدم وجود الشاهد والكاتب والرهن، وان قضاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم الذي يثبت عند الشافعي رحمه الله ومالك وأحمد بشاهد ويمين، فهو من خصوصياته إذا تحقق ثبوته. قال تعالى «لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» ملكا وعبيدا في تضاعيف ملكه بجميع الكائنات، وإذا علمتم ذلك فإن قوله جل قوله «وَإِنْ تُبْدُوا» أيها الملوان الذين فيهما «ما فِي أَنْفُسِكُمْ» فتظهروه ليطلع عليه بعضكم فيمدحوكم على الخير أو يذموكم على الشر علنا أو جهرا «أَوْ تُخْفُوهُ» لئلا يطلع عليه أحد، فهو معلوم ومدون عنده في لوحه قبل خلقكم، ولذلك فإنكم يوم تحشرون إليه «يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ» أظهر
الاسم الكريم مع تقدم ذكره لإدخال الروعة والمهابة في قلوب عباده، أي أنه يحاسبكم عليه خيرا كان أو شرا، وقد عنون عن العمل بقوله (ما فِي أَنْفُسِكُمْ) لأن العمل مسبوق بالعزم وهو من النفس.