وقدمنا في تفسير الآية ١١ من سورة القلم ما يتعلق بهذا وله صلة في الآية ١١ من سورة الحجرات في ج ٣. قال ابو الجوزاء لابن عباس من هؤلاء الذين ذمهم الله بالويل قال المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الاحبة، الناعتون الناس بالمعيب وتتناول كل من يعيب الناس بما يفعلونه جهرا أو بظهر الغيب أو ما يبطنونه ولذلك قال تعالى:
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ «الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ ٢» مرّة بعد أخرى حبا له وشعفا به ولذلك يستصغر الناس ويهزأ بهم فيهمز هذا ويلمز ذاك، وينم على ذلك ويعيب الآخر «أيَحْسَبُ» هذا للعجب بنفسه «أَنَّ مالَهُ» المتكبر به جعله يسخر بالناس أو أنه «أَخْلَدَهُ ٣» في هذه الدنيا أيضا ويحسب انه لا يموت ولا يبعث ولا يحاسب ولا يقاص «كَلَّا» لا يظن ذلك إذ لا حقيقة لهذا الحسبان فلا شيء يخلد في الدنيا، ولا يبقى شيء بلا جزاء، على أن الذي يخلد الذكرى يتوقع منه الخير، هو العمل الصالح، قال علي كرم الله وجهه: مات خزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر. ثم أقسم جل شأنه فقال:«لَيُنْبَذَنَّ» ليقذفن هذا الخبيث واضرابه «فِي الْحُطَمَةِ ٤» الدركة الثانية في النار، وسميت حطمة لأنها تحطم العظام لأول وهلة «وَما أَدْراكَ» أيها الإنسان «مَا الْحُطَمَةُ ٥» شيء عظيم هي لا ينالها عقلك، وفيها تهويل وتفظيع لأمرها، لأنها هي «نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ٦» التي لا تخمد أبدا، فويل لك أيها العياب الطّعان المتعظم على الناس بالمال منها، فإنها لشدة إحراقها «تَطَّلِعُ» حال القائك فيها وأمثالك «عَلَى الْأَفْئِدَةِ ٧» فيصل ألمها للقلوب لأنها موطن الكفر والنيات السيئة والعقيدة الفاسدة، أي أن هذه النار تدخل من أفواه المعذبين فتصل إلى صدورهم، فتصلي أفئدتهم من غير أن تحرقها